مِنْ كَلَامِ أَهْلِ السَّفَهِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي النَّهْيِ الْوَارِدِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ لَمَّا «قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخَيَّةُ أَأُخْتُكَ هِيَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ» .
(ص) وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ (ش) أَيْ وَلَزِمَ الطَّلَاقُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ بِأَنْ احْتَفَّ بِهَا مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ كَصَرِيحِهِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ مَنْ عَايَنَهَا بِذَلِكَ فَهِيَ كَالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَالسَّلِيمُ.
(ص) وَبِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ (ش) لَا خِلَافَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ لِلرَّسُولِ بَلِّغْ زَوْجَتِي طَلَاقَهَا أَوْ أَخْبِرْ زَوْجَتِي بِطَلَاقِهَا أَنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ سَوَاءٌ بَلَّغَهَا الرَّسُولُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ إلَخْ أَيْ وَبِإِرْسَالِهِ الْمُجَرَّدِ.
(ص) وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيُنَزَّلُ كَتْبُهُ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ مَنْزِلَةَ مُوَاجَهَتِهَا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْكِتَابَةِ: إذَا جَاءَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهُ وَوَصَلَ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ (ص) أَوْ لَا إنْ وَصَلَ لَهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ بِطَلَاقِهَا وَهُوَ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَيْهِ حِينَ كَتَبَهُ أَيْ وَلَا أَخْرَجَهُ عَازِمًا أَيْضًا بَلْ كَتَبَهُ وَأَخْرَجَهُ لِيَنْظُرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ وَصَلَ الْكِتَابُ لَهَا إلَّا إنْ لَمْ يَصِلْ وَسَوَاءٌ كَتَبَ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إذَا جَاءَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَقْتَ الْكَتْبِ نِيَّةٌ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ عَلَى عَدَمِ الْعَزْمِ وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْعَزْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا مِنْ الْحِنْثِ بِالْكِتَابَةِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ عَازِمًا إلَّا بِالْوُصُولِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ بَابِ الطَّلَاقِ.
(ص) وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِلِسَانِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ. خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَيُصَمِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ وَلَا أَنْ يَعْتَقِدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِلِسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَرْكَانِ الطَّلَاقِ وَكَانَ لِلرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ اللَّفْظُ تَشَعُّبٌ فَهُوَ أَطْوَلُهَا شَرَعَ فِي مُتَعَلَّقَاتِهِ فَمِنْهَا تَكَرُّرُهُ بِعَطْفٍ أَوْ دُونَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (ص) وَإِنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ فَثَلَاثٌ إنْ دَخَلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ بِأَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَ الْمُبْتَدَأَ مَعَ الْعَطْفِ أَوْ لَا وَحُكْمُ الْفَاءِ وَثُمَّ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يُنَوَّى فِي إرَادَةِ التَّأْكِيدِ فِي لُزُومِ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُنَافِيهِ وَمَشَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْوَاوِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مِثْلُ الْفَاءِ وَثُمَّ فَلَا يُنَوَّى فِيهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا كَالْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا وَلَا بُدَّ مِنْ النَّسَقِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَهْلِ السَّفَهِ) هُمْ أَهْلُ الْخُدْعَةِ وَالْمُجُونِ (قَوْلُهُ: وَهُمَا احْتِمَالَانِ إلَخْ) أَيْ فَحَمَلَهُ بَعْضٌ عَلَى الْحُرْمَةِ وَبَعْضٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) أَيْ نَهْيًا ضِمْنِيًّا مِنْ قَوْلِهِ: أَأُخْتُك هِيَ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْهُ، وَكَرَاهَتَهُ أَيْ لَمْ يُحِبَّهُ فَصَحَّ كَوْنُهُ مُحْتَمِلًا لِلْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفَاهِمُ هُوَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِدَلَالَتِهَا عَلَى الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ مَنْ عَايَنَهَا بِالْفَهْمِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَلَوْ نَوَاهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَوْ نَوَاهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ عج يَمِيلُ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَبِإِرْسَالِهِ الْمُجَرَّدِ) أَيْ عَنْ الْوُصُولِ.
(قَوْلُهُ: وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكْتُبَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ تُضْرَبُ فِي مِثْلِهَا بِتِسْعٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَصِلَ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
فَإِذَا كَتَبَهُ عَازِمًا فَيَحْنَثُ بِصُوَرِهِ السِّتِّ وَهِيَ: إمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَصِلَ أَمْ لَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا إنْ وَصَلَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ أَخْرَجَهُ عَازِمًا أَوْ مُسْتَشِيرًا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذِهِ سِتَّةٌ يَحْنَثُ فِيهَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ لَا حِنْثَ فِي السِّتَّةِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَاَلَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُصُولِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا أَوْ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: مَنْزِلَةَ مُوَاجَهَتِهَا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بِمَنْزِلَةِ تَلَفُّظِهِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا (قَوْلُهُ: بَلْ كَتَبَهُ وَأَخْرَجَهُ كَذَلِكَ) هَذَا الْإِضْرَابُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مُسْتَشِيرًا وَكَتَبَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ حَلٌّ لِلْفِقْهِ الْمُرَادِ وَقَدْ عَلِمْت ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعَارِضُ الْإِضْرَابَ الَّذِي حُمِلَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا حَلٌّ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حَلِّهِ وَالْمُرَادُ بِالْعَزْمِ هُنَا النِّيَّةُ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّا نَقُولُ انْضَمَّ لَهَا فِعْلٌ وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَمُحْتَرَزُ الْعَزْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ التَّرَوِّي وَالِاسْتِشَارَةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّصْمِيمَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ فَكَيْفَ لَزِمَ بِالْإِشَارَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ مَا هُنَا تَقْدِيرُهُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ مَعَ الْعَزْمِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهَا مِثْلُ الْفَاءِ وَثُمَّ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: فِيمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا)