فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ مَثَلًا طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ طَلْقَةً وَاحِدَةً بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِلَا يَمِينٍ وَوَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ، وَالْمَنْقُولُ بِيَمِينٍ.
(ص) كَدَعْوَاهُ مَوْتَ عَبْدٍ أَوْ عَيْبَهُ قَبْلَهُ وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَهُ فَلَا عُهْدَةَ (ش) تَشْبِيهٌ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى عَبْدِهَا الْغَائِبِ وَهُوَ غَيْرُ آبِقٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَقَالَ الزَّوْجُ كَانَ الْمَوْتُ أَوْ الْعَيْبُ قَبْلَ الْخُلْعِ فَأَنَا أَسْتَحِقُّ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْتِ أَوْ أَرْشَ الْعَيْبِ إنْ لَمْ يَمُتْ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ بَلْ مَاتَ أَوْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْخُلْعِ لِيَكُونَ ضَمَانُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهَا فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ لِانْتِقَالِهِ فَعَلَيْهَا الْبَيَانُ أَمَّا إنْ ثَبَتَ مَوْتُ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْغَائِبَ فِي بَابِ الْخُلْعِ ضَمَانُهُ مِنْ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ بِالْعُهْدَةِ هُنَا الضَّمَانُ أَيْ ضَمَانُ دَرَكِ الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ أَيْ لَا عُهْدَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَمَّا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ أَوْ السُّنَّةِ فَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْخِيَارِ فَلَا تُرَادُ هُنَا وَأَمَّا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ فَإِنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْخُلْعِ أَوْ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَالِمَةً بِمَوْتِ الْآبِقِ قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا قِيمَتُهُ لِمُخَالِعِهَا لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ عَلَى غَرَرِهِ.
(فَصْلٌ: طَلَاقُ السُّنَّةِ) أَيْ الطَّلَاقُ الَّذِي أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِي فِعْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنَّةٌ لِأَنَّ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَلَوْ وَاحِدَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُقَابِلَةَ لِلْبِدْعِيِّ وَمِنْ الْبِدْعِيِّ مَا هُوَ حَرَامٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي وَالطَّلَاقُ الَّذِي أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِيهِ مَا اسْتَوْفَى أَرْبَعَةَ قُيُودٍ.
أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (ص) وَاحِدَةً بِطُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بِلَا عِدَّةٍ (ش) الْأَوَّلُ: مِنْ الْقُيُودِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدَةً، فَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي دَفْعَةٍ بِدْعِيٌّ مَكْرُوهٌ الثَّانِي: أَنْ يُوقِعَ الطَّلْقَةَ فِي حَالِ طُهْرِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ أَوْقَعَهَا فِي غَيْرِ طُهْرِهَا بَلْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ كَانَ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ يُطَوِّلُ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطُّهْرُ الْمُوقَعُ فِيهِ الطَّلْقَةُ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ فَإِنْ أَوْقَعَهُ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ كَانَ بِدْعِيًّا لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَدْرِي هَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَدْ أَلْبَسَ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا وَلِخَوْفِ النَّدَمِ إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَرَادَ نَفْيَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَبْرَأَةً فَإِذَا لَمْ يَمَسَّهَا صَارَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَفْيِهِ وَهُوَ أَحْسَنُهَا. الرَّابِعُ: أَنْ لَا تَكُونَ الْوَاحِدَةُ مُرْدَفَةً فِي الْعِدَّةِ فَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ أَرْدَفَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ شَيْئًا فَبِدْعِيٌّ مَكْرُوهٌ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا لِتَطْوِيلِهِ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِلَا يَمِينٍ) وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّوْجُ هِيَ مُدَّعِيَةٌ لَهُ وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَعَلَى مَا هُوَ الْمَنْقُولُ لَوْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ دُيِّنَ وَلَا يُقَالُ تُحَلَّفُ وَيَثْبُتُ مَا تَدَّعِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ مَعَ الْحَلِفِ وَتَبِينُ مِنْهُ فِي اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْخُلْعِ وَرَجْعِيَّةً فِي غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ) أَيْ بِيَمِينٍ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِحْقَاقٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ " وَقِيمَةَ كَعَبْدٍ اُسْتُحِقَّ " وَيُجَابُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعُهْدَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ وَعُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْعُهْدَةِ هُنَا عُهْدَةَ الثَّلَاثِ وَلَا السُّنَّةِ بَلْ الضَّمَانُ الْمُفَسَّرُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُنَا عَدَمَ ضَمَانِ قِيمَةِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْقِيمَةُ عَلَى غَرَرِهِ) أَيْ وَتَكُونُ بَائِنَةً وَيُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ: لَا إنْ خَالَعَتْهُ بِمَا لَا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ هُنَا دَخَلَ عَلَى غَرَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مُجَوِّزًا لِمَوْتِهِ.
[فَصْلٌ طَلَاقُ السُّنَّةِ]
(قَوْلُهُ: طَلَاقُ السُّنَّةِ) أَيْ الَّذِي أَذِنَتْ فِيهِ رَاجِحًا كَانَ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى لَا رَاجِحَ الْفِعْلِ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ إضَافَتِهِ لِلسُّنَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ أَحْكَامُهُ مِنْ كَوْنِهِ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ مَرْجُوحًا، وَقُيُودُهُ عُلِمَتْ مِنْ السُّنَّةِ دُونَ الْكِتَابِ أَضَافَهُ إلَيْهَا دُونَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا وَقَعَ فِي السُّنَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِي فِعْلِهِ مَا لَمْ يَحْرُمْ وَمَا لَمْ يُكْرَهْ وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ فَبِدْعِيٌّ فَاَلَّذِي أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِي فِعْلِهِ مَا كَانَ وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ أَبْغَضَ " فِيهِ إشْكَالٌ بِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ فَلَيْسَ فِيهِ مَبْغُوضٌ وَلَا أَشَدُّ مَبْغُوضِيَّةً وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ " أَفْعَلَ " التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْحَلَالِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَيَصْدُقُ بِالْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَخِلَافُ الْأَوْلَى مَبْغُوضٌ وَالْمَكْرُوهُ أَشَدُّ مَبْغُوضِيَّةً فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبُغْضِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ كَوْنُهُ لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ بَلْ مَا فِيهِ اللَّوْمُ إمَّا الْخَفِيفُ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى أَوْ الشَّدِيدُ فِي الْمَكْرُوهِ وَيَكُونُ سِرُّ التَّعْبِيرِ بالْمَبْغُوضِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْغُوضُ هُوَ الْمُحَرَّمَ قَصْدَ التَّنْفِيرِ، بَقِيَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَشَدُّ مَبْغُوضِيَّةً وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الَّذِي أَذِنَتْ السُّنَّةُ فِيهِ لَا يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمَكْرُوهِ فَتَدَبَّرْ وَبَقِيَ قَيْدَانِ آخَرَانِ وَهُمَا طَلْقَةٌ كَامِلَةٌ، وَوُقُوعُهَا عَلَى كُلِّ الْمَرْأَةِ وَالْأَوَّلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاحِدَةً، وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ " وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ " وَكَذَا قَيْدَانِ كَوْنُهَا مِمَّنْ تَحِيضُ وَتَالِيًا لِحَيْضٍ لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ وَاحْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ طَلَاقِ صَغِيرَةٍ وَيَائِسَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَبِالثَّانِي عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْعِدَّةِ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُمَا لِفَهْمِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ بِطُهْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَاحِدَةً) أَيْ وَلَوْ أَوْقَعَ بَعْدَهَا مَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهَا كَمَا إذَا طَلَّقَ أُخْرَى فِي الطُّهْرِ الثَّانِي مِنْ الْعِدَّةِ مَثَلًا فَإِنَّ الْأُولَى تَسْتَمِرُّ عَلَى