فلما أمر بالإيتاء من مال الله، والأشياء كلها –وإن كانت لله وملكا له- فإن إطلاق لفظ مال الله، إنما هو فيما سبيله أن يصرف في جهة القربة: علمنا أنه أراد إعلامنا جواز دفع صدقاتنا إليه وإن كان عبدا لغني، وماله موقوف على مولاه، ومعلوم أن المولى لا يجوز له أن يعطي مكاتبه من صدقاته الواجبة عليه، فاقتضى مضمون اللفظ: نفي تأويل المخالف لنا في معنى الإيتاء.
ويدل لفظ الآية على نفي قول المخالف من وجوه أخر:
أحدهما: قوله تعالى: {وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم}: فأمرنا بإيتائهم مما آتانا، وحط الكتابة لا يسمى إيتاء؛ لأن الإيتاء في الحقيقة هو الإعطاء، ومن أبرأ إنسانا من مال عليه: لا يقال إنه أعطاه شيئا.
والثاني: أن أمرنا بأن نؤتيهم مما آتانا الله، وما في ذمة المكاتب من مال الكتابة: لم يؤته بعد؛ لأن الإيتاء هو الإعطاء، وهو ويقتضي القبض، وذلك غير مقبوض، فلا يقع عليه الاسم.
ومن جهة أخرى: أنه ليس بدين صحيح؛ لأنه على عبده، ويمكن العبد إسقاطه عن نفسه بالعجز، فلم يملكه بعد ملكا صحيحا، فلا يصح إطلاق اللفظ فيه بأنه مما آتانا الله.
وّأيضا: فلو كان الإيتاء واجبا، لوجب أن يستحق المكاتب إسقاطه عن ذمته بالعقد الموجب له، ومحال أن يكون العقد هو الموجب له، وهو المسقط له بعينه؛ لأن شيئا واحدا لا يصح أن يكون سببا لإيجاب شيء،