ويدل على أن الثلث الذي اعتقه النبي عليه الصلاة والسلام منهم كان شائعا في الجميع: أنه لو أراد اثنين بأعيانهما، لما كاد أن يتفق أن يكونا ثلث مال الميت، سواء لا يزيد ولا ينقص؛ لأن ذلك غير موجود في العادة، فعلمنا أن المراد ثلث شائع في الجميع، وهو الذي تجوز وصيته فيه.
وأيضا: فلو ورد لفظ الخبر غير محتمل لما قلنا، لما جاز الاعتراض به على الأصول التي قدمنا؛ لأن أخبار الآحاد لا يعترض بها على الأصول.
وجهه اعتراضه على الأصول: أنه لا خلاف بين الأمة أن نقل الحرية عمن وقعت عليه غير جائز بالقرعة، وإذا حمل الخبر على ما ادعوه، كان فيه نقل الحرية ممن وقعت عليه، لأنه لا خلاف أيضا أنه مالك لثلث كل واحد منهم، جائز التصرف فيه، فأوجب ذلك نفاذ عتقه في ثلث كل واحد منهم، والقرعة تنقله عمن استحقه، وتجعله لمن لا يستحقه.
ومن جهة أخرى: أن هذا من جنس القمار والميسر اللذين حرمهما الله تعالى، وحقيقته: أن يستحق بالقرعة ما لم يستحقه لولاها من الحرية، التي استحقها غيره.
ومن جهة أخرى: اعتراضه على إيجاب النبي عليه الصلاة والسلام العتق فيما يملكه المعتق، وما روي من قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله جعل لكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم"، وما كان هذا وصفه من أخبار الآحاد، فهو محمول عندنا على ما لا يخالف الأصول.