فأجازه: لم يكن لمن بعده من الحكام فسخ قضائه، وكان واسعًا للشفيع التصرف في الدار المأخوذة بالشفعة، لأجل حكم الحاكم به.
ولو لم يكن حكم الحاكم به، ثم رفع إلى حاكم لا يرى الشفعة بالجوار: لم يكن عليه الحكم بالشفعة، بل كان عليه إبطالها إذا كان ذلك من رأيه، فقد صار لحكم الحاكم تأثير في إيقاع العقد، أو فسخه، فصار ذلك أصلًا في نظائره من العقود.
* ودليل آخر: وهو أن الذي على الحاكم باتفاق المسلمين إذا شهد عنده شهود- ظاهرهم العدالة- بعقد، أو فسخ عقد: إمضاؤه والحكم به، فيصير ذلك عقدًا محكومًا بجوازه ونفاذه، من حيث أمر بإنفاذه، ولو تخلف الحاكم عن الحكم به، ليقف على حقيقة ما شهدوا به، لكان تاركًا لحكم الله عز وجل، عاصيًا في تخلفه عن أمر الله.
وإذا وقع الحكم بالعقد من حيث أمر الله تعالى بالحكم به، وجب أن يصح ويقع، إذ كان سائر العقود التي يتعاقد عليها المتعاقدان، إنما وجب إمضاؤهما عليها، ولزومهما أحكامها من حيث أمر الله تعالى بإمضائها، ولزوم أحكامها.
فلا فرق حينئذ بين أن يعقدا هما عقد نكاح بشهود حضروهما، وبين أن يأمر الله بالحكم بصحته إذا لزم الحاكم الحكم به بشهادة شهود شهدوا عنده به، فلا يجوز فسخ عقد هذا وصفه، إلا بما يصح به فسخ الحكومات، ويجوز ثبوته عند الحكام.
فإن قال قائل: فلو حكم بذلك بشهادة شهود، ثم تبين أنهم عبيد أو كفار: لم ينفذ حكمه، ولم يقع العقد بقضيته وإن كان مأمور بإمضائه والحكم به.