قال أحمد: قد بيَّنَّا أنَّ كل ما جاز أخذه من الحيوان في حال حياته، ولا يحتاج إلى استباحته إلى ذكاة الأصل، وهو مما لا يحله الموت، فلا فرق بين أخذه في حال حياته وبعد موته، واللبن من ذلك؛ لأنه لا يجوز أخذه من الحيوان في حال حياته، ولا يمنع ذلك شربه، والانتفاع به.
وكون الحيوان نجسًا بالموت، لا يوجب تنجيس اللبن في قول أبي حنيفة، ولا يكون بمنزلة لبن جعل في وعاء نجس، فينجسه، وذلك لأن موضع الخلقة وإن كان نجسًا، فإنه لا ينجس بالمجاورة.
والدليل على ذلك: قول الله تعالى:} وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين {.
فأخبر أن اللبن خارج من بين شيئين نجسين، ولم يوجب ذلك تنجيسه.
ويدل على ذلك: اتفاق المسلمين على جواز أكل اللحم مع ما فيه من العروق التي قد كان فيها الدم، ومعلوم أنَّ الدم مائع نجس، ثم لم ينجس داخل العروق، لأن ذلك موضع خلقته، كذلك اللبن في ضرع الميتة.
* (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان جامدًا كالبيضة: أكله، وإن كان مائعًا: لم يأكله، لأنه لبن في وعاء ميت).