الإخبار عن قصر المدة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى.
فأخبر أن قدر ما بقي من مدة الدنيا إلى ما مضى، كما بين السبابة والوسطى من النقصان، وقدر ذلك بالتقريب نصف سبع، فلو كان وقت العصر من حيث يصير الظل مثله، لكان أطول مما دل عليه هذا الخبر بشيء كثير، ولبطلت فائدة قصده به إلى تقليل الوقت، وقصر المدة، فثبت أن وقت العصر بعد المثلين، ليصح معنى التشبيه.
* والوجه الآخر من دلالة الخبر على ما قلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: فغضبت اليهود والنصارى، قولوا: كنا أكثر عملًا، واقل عطاء"، ومعلوم أن كثرة عملهم كانت لأجل امتداد وقتهم، وقصر وقت أمتنا.
فلو كان وقت العصر من حين المثل، لصار وقت العصر أطول من وقت الظهر، وهذا يبطل معنى التشبيه؛ لأن النصارى حينئذ لا يكونون أكثر عملًا، فدل ذلك على أن وقت الظهر أوسع من وقت العصر، وهذا لا يصح، إلا أن يكون وقت الظهر إلى المثلين، ووقت العصر بعده.
فإن قيل: إنما قالت اليهود والنصارى جميعًا: نحن كنا أكثر عملًا، وأقل عطاء، ولم يقل ذلك كل واحد من الفريقين على حياله، فلا دلالة فيه إذا على أن وقت الظهر أوسع من وقت العصر، وإنما يدل على أن وقت الفريقين جميعًا مجموعًا أوسع منه.
قيل له: هذا غلط؛ لأنهم قالوا: نحن كنا أكثر عملًا، وأقل عطاء،