يوجد عن أحدٍ من السلف تحريم ما يبيحه أصحابنا من الأنبذة نصًا.
ومن روى عنه كراهة شيء من ذلك، فإنما روى ذلك عنه في نقيع التمر والزبيب، والمنصف، وما لم يرد إلى الثلث، فأما تحريم ما أبحتاه، فغير موجود عن أحد منهم نصًا.
[دليل إباحة النبيذ من طريق النظر]
وأما وجه إباحته من طريق النظر: فهو أنه لما كانت بلوى أهل المدينة عامة بشرب نبيذ التمر والبسر، وسائر ما يخرج من النخل، ثم حرمت الخمر، وليس بالمدينة منها شيء على ما روي عن جماعة من السلف، فلو كان التحريم شاملاً لما ذكرنا من الأنبذة، لكان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف لهم عليه، لعلمه عليه الصلاة والسلام بظهور شربهم إياها، وعموم بلواهم بها.
ولو وقفهم عليه، لورد النقل به متواترًا مستفيضًا، كوروده في تحريم الخمر، إذ كانت الحاجة إلى معرفة حكم هذه الأشربة، أمس منها إلى معرفة حكم الخمر، لقلة الخمر عندهم، وكثرة سائر الأنبذة المتخذة من النخل عندهم، فثبت بذلك أنها لم تدخل في تحريم الخمر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقفهم على تحريمها.
ألا ترى أن نقيع التمر والبسر لما كانا محرمين، ورد النقل بتحريمهما من جهة التواتر والاستفاضة عن الصحابة والتابعين على النحو الذي قدمنا.