وعلى أنه لو ثبت الحديث وصح، لما دل على نفي طلاق المكره، وذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه"، و"تجاوز الله لأمتي عما استكرهوا عليه"، "وعفا لأمتي عن ذلك".
لو استعمل على حقيقته: اقتضى نفي وقوع الفعل المكره عليه، ومعلوم وقوع الفعل بالمشاهدة والعيان، وأن ما صح وقوعه لا يصح رفعه؛ لأنه لا يصح أن يرفع المفعول حتى يصير غيره مفعولًا؛ لأن ذلك محال.
فإذا كان كذلك، وكان مقتضى اللفظ رفع الفعل الواقع على الإكراه، وقد علم أنه لم يرده، ثبت أن هناك إضمارًا إياه أراد النبي صلى الله عليه وسلم، فاحتجنا إلى دلالة في إثبات المراد من وجهين:
أحدهما: أن المضمر ليس بعموم، فيحتج فيه بظاهر اللفظ، إذ هو غير ملفوظ به، والعموم والخصوص إنما يكونان في الألفاظ.
والثاني: أن اللفظ قد حصل مجازًا، والمجاز لا يجوز استعماله إلا في موضع يقوم الدليل عليه.
وأيضًا: فإذا ثبت أن في اللفظ ضميرًا، والضمير يجوز أن يكون للحكم، ويجوز أن يكون للمأثم، لم يكن لأحد صرفه إلى أحد الوجهين دون الآخر إلا بدلالة من غيره.