ودليل آخر: وهو أنه لو خرج عن ملكه بالوقف، لكان فيه إزالة المال لا إلى مالك بقوله، فوجب أن لا يصح، كرجل قال: أخرجت هذه الدار عن ملكي، فلا يصح.
فإن فيل: فالمسجد فيه إزالة الملك لا إلى مالك، وقد صح عند الجميع.
قيل له: للمسجد قابض، وهو الذي يصلي فيه، لأنه لا يخرج عن ملكه إلا أن يصلى فيه، والمصلي فيه قابض له عن نفسه، وعن الجماعة المسلمين، فخرج عن ملكه، كمن تصدق على رجل بصدقة، وأقبضها إياه.
وأما الوقف فليس له قابض، وإنما يخرج عن ملكه لو جاز بقوله، وهذا الذي أثبتاه قياسًا على قوله: قد أخرجت هذه الدار عن ملكي: فلا يزول عن ملكه بقوله.
فإن قال قائل: الوقف أيضًا له قابض، بمنزلة الصدقة والمسجد، بأن يجعله الواقف على يد غيره، فيخرج عن ملكه بقبضه.
قيل له: إذا كان القابض إنما يصح قبضه بقول الواقف وتوكيله إياه بالقبض، فليس ذلك بقبض، لأن يد وكيله كيده، فهو مع ذلك باق في يده مع تسليمه إلى من أمره بقبضه، ومع هذا فلم يخرجه ذلك من أن تكون صحة القبض أيضًا متعلقة بقوله، فيكون خارجًا عن ملكه بقوله لا إلى مالك، وهذا فاسد بما دللنا عليه.
وأيضا: فغير جائز قياس الوقف على المسجد، لأن ما يصح المسجد من أجله لا يصح تمليكه، ولا اخذ البدل عنه، وهو الصلاة فيه، فلذلك جاز خروجه عن ملكه، إذ كان ذلك حقًا خالصًا لله تعالى.