وبراءة الكفيل واقعة وإن ردها، من قبل أنه ليس فيها تمليك؛ لأنها لو كانت موجبة للتمليك، لوجب أن يبرأ صاحب الأصل؛ لأنه غير جائز أن يملك ذلك المال غيره، وهو باق مع ذلك في ذمة صاحب الأصل، لأنه لا يجوز أن يبقى له ملك فيما قد ملكه غيره.
ولما لم يقتض إبراء الكفيل تمليكا بحال، كان بمنزلة البراءة من سائر الحقوق التي لا تمليك فيها، نحو البراءة من العيب، وإسقاط خيار الرؤية بعد رؤية المبيع، وتسليم الشفعة، والعفو من دم العمد، ونحو ذلك من الحقوق التي إذا أبرأ منها: لم تنفسخ بالرد.
وليس كذلك براءة صاحب الأصل، في باب أنها تنفسخ بالرد؛ لأن فيها تمليك أصل المال، فلذلك انفسخت بالرد.
مسألة: [تصدق الطالب أو هبته المال للكفيل]
قال أبو جعفر: (ولو لم يبرئه من المال، ولكنه وهبه له، أو تصدق به عليه، وقبل منه الكفيل: جازت الهبة والصدقة، وللكفيل أن يرجع بالمال على المطلوب).
وذلك أن الهبة والصدقة من ألفاظ التمليك، ألا ترى أنها تملك بها الأعيان، وليست البراءة كذلك، ألا ترى أن الأعيان لا تملك بلفظ البراءة.
وإذا كان كذلك، انتقل ملك المال إلى الكفيل، وبرئ المطلوب من مال الطالب، وصار المال للكفيل.
وإنما جاز أن يملكه الكفيل، من قبل أن ذلك المال بعينه في ذمة الكفيل، فجاز تمليكه إياه، ورجع الكفيل بالمال على المطلوب، كما لو ملكه بالأداء، رجع به على المطلوب.
*قال أبو جعفر: (وإن لم يقبل الكفيل الهبة ولا الصدقة: بطلت،