أما القسم الثاني: وهو أن يسبهم ويلعنهم بالتقبيح لكن لا يتهمهم بالكفر، كأن يقول: لعنة الله على ذلك الصعلوك وهو يقصد بذلك -والعياذ بالله- قول النبي صلى الله عليه وسلم (أما معاوية فصعلوك)، فمن لعن الصحابة أو سبهم فهل يكفر أم لا؟ قولان عند أهل العلم: القول الأول: أنه يكفر، فيخرج من الملة لعظم مكانة صحابة رسول الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني وهو قول جماهير أهل العلم: إنه يستحق التفسيق والتأديب والتعزير والتبديع بذلك، لكنه لا يكفر، والتعزير يكون من قبل ولي الأمر.
وتفصيل القولين فيما يلي: القول الأول: يكفر، فما هي وجهة الكفر هنا؟ فهم ما كفروهم بل سبوهم فقالوا: أبوه كذا وأمه كذا، وهو كذا، أو لعنة الله على فلان وفلان وأبيه وأمه، وهذا فيه تكذيب لله، الذي أنزل عدالتهم وهم لا يعدلونهم، فهؤلاء ما طعنوا فيهم، بل دعوا عليهم بالشر، ونحو: اللهم أهلكهم، اللهم اطردهم من رحمتك، وهذا هو الكفر باللازم، فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة أن لازم القول ليس بقول، فلا يحكم على صاحبه بالكفر حتى يقر هو به.
ووجهة نظر الذين كفروهم هي: أن من سب صحابة رسول الله فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد كفر، قال: (فبحبي أحبوهم وببغضي أبغضوهم).
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين كثيراً النهي عن عدم إيذاءه في أصحابه فقال: (لا تسبوا أصحابي) وعند ما قال لـ عمر: (هلا تركتم لي صاحبي، لا تؤذوني في أصحابي) فهذا إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق لازم القول، وقد قيل: لا تسأل عن المرء، وسل عن خليله، فكيف يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ملعوناً؟ فلعن الصحابة أو سبهم إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بل انتقاص من قدره صلى الله عليه وسلم من باب اللزوم.
ولازم القول ليس بقول حتى يقر به، فمن لعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى رسول الله وانتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، ولازم هذا القول يعتبر قولاً إن أقروا به، فإن لم يقصدوا إيذاء رسول الله، ولا الانتقاص من قدره، فيعتبر هذا فسقاً، وصاحبه على شفير هلكة.
وهذا هو الراجح الصحيح.