الدليل الرابع: قول الله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة:61]، ففي سياق الآيات قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [التوبة:63]، فجعل إيذاء الرسول من المحادة لله ولرسوله، والمحادة عقابها القتل، فإذا قالوا لنا: أين دليلكم من الآية؟ قلنا: الدليل هنا منفصل، قالوا: ائتونا بالدليل المنقطع؟ قلنا: عندنا دليل أسطع من ضوء النهار، وذلك لما خاض المنافقون في عرض عائشة رضي الله عنها وأرضاها قام النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً على المنبر فخطب الناس وقال: (من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهلي أو بالغ في إيذاء أهلي؟) فقام سعد بن معاذ ولنعم الرجل سعد بن معاذ، فهذا الرجل له الحظ والمكانة عند رسول الله، وعند صحابة رسول الله بل له الحظ والمكانة عند الله جل في علاه، لقد اهتز عرش الرحمن فرحاً بقدوم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال سعد بن معاذ: (أنا أعذرك منه يا رسول الله! والله لو كان من إخواني الأوس أو الخزرج لنضربن عنقه، فقام سعد بن عبادة وقال: والله لن تستطيع.
فقام أسيد بن حضير) فقال له سعد بن عبادة كلمة شديدة -وسعد بن عبادة سيد من السادات، وبار كريم وصاحب جليل- قال أسيد: والله لا أراك إلا منافقاً تجادل عن المنافقين.
الغرض المقصود من هذه القصة بأسرها أنه قام سعد بن معاذ فقال: (يا رسول الله! أنا أعذرك منه أضرب عنقه) للعلة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهي: أنه بلغ أذاه في أهل النبي، وهذا يعتبر إيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان إيذاء للنبي قام سعد بن معاذ فقال: أضرب عنقه، فأقره النبي، فكان الدليل هنا: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنق من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الدليل نص في مسألة المسلم لا المعاهد، لكنه يدخل في الآية بعمومها؛ لأن الله جل وعلا عمم وقال: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة:61] فبين أن إيذاء النبي فيه محادة لله ولرسوله، فالعقاب يكون بالقتل وضرب العنق لمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.