والإيمان قول وعمل ونية، والقول قولان: قول اللسان وقول القلب، والعمل عملان: عمل القلب وعمل الجوارح، أما قول اللسان فإنه لا يدخل أحد الإسلام وهو يستطيع أن يتكلم بكلمة الإيمان إلا أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولو اعتقد اعتقاداً جازماً بأن الخالق الرازق المدبر هو الله، وأن المستحق للإفراد بالعبادة هو الله، ولو اعتقد اعتقاداً جازماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسول الحق وأنه الصادق المصدوق، ولم ينطق بلسانه، فإنه لا يدخل الإسلام، ولا يمكن أن يحكم له بإسلام قط، فقد قال الله تعالى: (((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:136]، والقول يكون باللسان، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا)، وفي الرواية الأخرى: (حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأني رسول الله).
وفي الصحيح أيضاً: (لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه أبي طالب وعنده أبو جهل وعبد الله بن ربيعة قال له: يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله).
ووجه الدلالة على أن القول ركن من أركان الإيمان: أن أبا طالب كان مصدقاً أن ابن أخيه كان على الحق، وأن دينه هو الدين الحق، ولكن سبب عدم إيمانه به هو مخافة المهانة بين الناس، وأن يقولوا: ترك دين عبد المطلب وأخذ بدين ابن أخيه.
فهذا التصديق الذي كان عند أبي طالب لا ينفعه يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ لأنه امتنع عن التلفظ بالشهادة مع قدرته على ذلك، فليس له حجة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل لا إله إلا الله قال كلمة أحاج لك بها عند الله)، يعني: ليس لك حجة عند الله إذا لم تتلفظ بهذه الكلمة.
أما قول القلب فهو: التصديق، وغلاة الجهمية والمرجئة حصروا الإيمان في التصديق بالقلب، ونحن نقول: قول القلب هو التصديق، قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] أي: لم يشكوا.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال لا إله إلا الله صادقاً بها قلبه دخل الجنة)، فقول القلب هو التصديق، وهذا هو أصل الإيمان.