حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

حق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة عظيم، لكن بدون إفراط فيه أو تفريط، ومن هذه الحقوق: أولاً: الاعتقاد الجازم والإيمان الراسخ بأنه مرسل من ربه جل في علاه، قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285]، فـ: (رسله) عموم يدخل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء:136]، وقال: {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28]، فهذا أمر من الله جل في علاه، أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من الرسل الذين أوحى الله إليهم وحياً عظيماً جاء به إلى البشرية.

ثانياً: من حق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة بعد الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أوحي إليه من قبل ربه: أن رسالته عامة للثقلين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وأيضاً قال الله تعالى: {كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28]، وقال الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158].

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فضلت على الأنبياء بست -وذكر من هذه الست- وكان كل نبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)، بل لم يكتف بذلك، فلم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقط، بل أرسله إلى الجن أيضاً، فهو مرسل إلى الثقلين، قال الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29].

وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة عنهم، فبين له مكان نيران الجن وأخبره بأنه ذهب إلى الجن يتلو عليهم آيات الله جل في علاه)، فرسالته عامة، فهذا حق للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرد القوي على اليهود والنصارى الذين يقولون: هو نبي، لكن للأميين، فأنت لابد أن تعتقد اعتقاداً جازماً بأن الرسول أرسل إلى الجن وإلى الإنس.

ثالثاً: من حق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة: تصديقه فيما أخبر صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ولِم لا وهو الصادق المصدوق؟ فقد أخبر من قبل ربه جل في علاه، وجبريل لم يكذبه وهو لم يكذب، قال ابن مسعود: أوصاني الصادق المصدوق، فهو صادق في قوله، وهو مصدوق فيما يأتيه، قال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]، يعني: لا يتكلم من هوى نفسه، ولا من تلقاء نفسه، بل هو وحي من قبل الله جل في علاه.

فوجب عليك تصديق كل خبر أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم إسناداً صحيحاً، ومن تبعات ذلك أن تعمل به.

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة وفي مجلسه عبد الله بن عمرو بن العاص كتب كل شيء يتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فلامه أهل قريش وأكابر المهاجرين فقالوا: كيف تكتب كل كلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو بشر يصيب ويخطئ ويغضب ويضحك ويفرح ويحزن؟ فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بهذا الخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتب، والله ما يخرج من هنا إلا الحق، أو قال: إلا الصدق)، ما يخرج منه إلا الوحي من الله جل في علاه، حتى ولو قلنا: بأن له الاجتهاد فإن الله لا يقر رسوله صلى الله عليه وسلم على خطأ أخطأه، وليس ببعيد عنا قول الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1 - 2]، ولما اجتهد في دعوة أكابر قريش وترك ابن أم مكتوم، فأنزل الله كلاماً يعاتبه على ذلك، {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:1 - 3]، فله أن يجتهد لكنه لا يقرر على خطأ، فلذلك قال له: (اكتب، والله ما يخرج من هنا إلا الصدق، أو ما يخرج إلا الحق).

ولذلك لما جاء هذا القميء البئيس وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعدل، فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!)، كيف لا تأمنوني وقد استأمنني الله جل في علاه على الوحي وأنا أبلغ عن ربي جل في علاه.

ولنعم ما فعل خزيمة بن ثابت عندما جاء أعرابي فباع للنبي صلى الله عليه وسلم فرساً، ثم أعطوه فيه ثمناً أغلى من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد بعت لي؟ قال: لا ما بعت لك، عليّ بشاهدين -يعني: ائت بشهود يشهدون أنني قد بعت لك هذا الفرس- فقام خزيمة بن ثابت فقال: أنا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشترى منك)، فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فما كان هناك ثمة أحد يجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأعرابي في البيع والشراء؟ فقال له: (يا خزيمة! كيف تشهد على شيء لم تره أو تشهده، فقال له: يا رسول الله! أصدقك في خبر السماء ألا أصدقك في خبر البيع والشراء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: شهادة خزيمة بشهادة رجلين)، وكانت منقبة عظيمة لـ خزيمة؛ لأنه أدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى بحال من الأحوال.

رابعاً: من حق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في وقتنا هذا، وتعظيم سنته وحملتها، إذا رأيت رجلاً يحمل سنة النبي صلى الله عليه وسلم رأيت نوراً في وجهه لقوله: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، فيحترم ويعظم ويوقر يحترمه ويعظمه ويوقره توقيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن حق رسول الله على هذه الأمة: تعظيم النبي وتوقيره والأدب الجم معه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:9]، (تسبحوه) خاصة بالله جل في علاه، (تعزروه وتوقروه)، هذه تدل على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه ومحبته، وأن تجعل محبة النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبتك لنفسك ولغيرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015