. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَالٌ، أَيْ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهَا مُرَتَّبَةً أَصْلًا بَعْدَ أَصْلٍ.
الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ عَلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمُفْرَدٍ هُوَ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا كَلَامًا مُرَتَّبًا فِي أَصْلٍ بَعْدَ أَصْلٍ، وَحَقِيقَةُ الْأَصْلِ لُغَةً وَعُرْفًا تُذْكَرُ عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " مُقَدِّمَةٍ "، هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهِيَ أَوَّلُهُ، لَمْ يَحْكِ الْجَوْهَرِيُّ فِيهَا غَيْرَ الْكَسْرِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي قَادِمَتَيِ الرَّحْلِ مُقَدَّمَةً بِفَتْحِ الدَّالِ، وَهِيَ أَوَّلُهُ مِمَّا يَلِي وَجْهَ الرَّاكِبِ، وَهِيَ مُقَابِلَةٌ آخِرَ الرَّحْلِ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَرْجِعُ تَرَاكِيبُهَا إِلَى مَعْنَى الْأَوَّلِيَّةِ، فَمُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ أَيْضًا أَوَّلُهُ، وَيَجُوزُ فِيهَا كَسْرُ الدَّالِ عَلَى صِيغَةِ الْفَاعِلِ، وَفَتْحُهَا عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا اسْمًا فِي كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ التَّقْدِيمُ نَحْوَ مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ وَالْكِتَابِ، وَمُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ وَالْقِيَاسِ، وَهِيَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تُنْتِجُ ذَلِكَ مَعَ قَضِيَّةٍ أُخْرَى، نَحْوَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، وَنَحْوَ: الْعَالِمُ مُؤَلَّفٌ، وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ مُحْدَثٌ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " فُصُولٍ ": هُوَ جَمْعُ فَصْلٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ فَصَلَ يَفْصِلُ فَصْلًا، إِذَا قَطَعَ، وَمَادَّةُ " ف ص ل " تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْقَطْعِ وَالْإِبَانَةِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ الْمَذْكُورِ كُلُّ مَا بَيَّنَ وَمَيَّزَ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ وَقَطَعَهُ عَنْهُ، فَمِنْهَا الْفُصُولُ فِي الْكُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ، لِأَنَّهَا تُمَيِّزُ جُمَلَ الْكَلَامِ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمِنْهَا فُصُولُ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُدُودِ، كَالنَّاطِقِ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِمْ: حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَالْحَسَّاسُ فِي حَدِّ الْحَيَوَانِ فِي قَوْلِهِمْ: جِسْمٌ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ، وَمِنْهَا يَوْمُ الْفَصْلِ، وَفَصْلُ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ النِّزَاعَ بَيْنَ الْخُصُومِ.