. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التَّصْدِيقِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَشَقَّتَيْنِ، كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي «الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى» ، وَلِهَذَا قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَيْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [الْبَقَرَةِ: 3] ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ التَّكْلِيفَ عَمَلِيٌّ وَاعْتِقَادِيٌّ، ثُمَّ الْعَمَلِيُّ مِنْهُ مَعْقُولٌ، وَمِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، كَالْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَأَشْبَاهِهِمَا، وَأَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ رَمَلٍ وَاضْطِبَاعٍ، وَتَجَرُّدٍ وَنَحْوِهِ. فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ الِاعْتِقَادِيُّ أَيْضًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُفْهَمُ وَمَا لَا يُفْهَمُ؟ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِحُصُولِ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ، وَهِيَ تُبَيِّنُ الْمُطِيعَ مِنَ الْعَاصِي.
فَائِدَةٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ; فَقَالَ الطَّنْزِيُّ - بِالنُّونِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ - فِي تَفْسِيرِ الْمُحْكَمَاتِ: قِيلَ: هِيَ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ تَعَالَوْا} إِلَى آخِرِهِنَّ [الْأَنْعَامِ: 151 - 153] ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُنْسَخْ، وَقِيلَ: النَّصُّ، وَقِيلَ: غَيْرُ الْمُجْمَلِ، {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ، أَيْ: أَصْلُهُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ، هِيَ ضِدُّ الْمُحْكَمِ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ أَقْوَالًا:
أَحَدُهَا - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا -: الْمُحْكَمَاتُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ مَا عُرِفَ تَأْوِيلُهُ، وَفُهِمَ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيرُهُ، وَالْمُتَشَابِهُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سَبِيلٌ إِلَى عِلْمِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَوَقْتِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ.