. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ فِي الْقِرَاءَاتِ تَوَاتُرًا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ جَمِيعَهَا تَوَاتُرٌ، وَفِي أَنَّ هَلْ فِيهَا آحَادٌ أَمْ لَا؟ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَهَا تَوَاتُرٌ وَبَعْضُهَا آحَادٌ، تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، إِذْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى تَمْيِيزِ تَوَاتُرِهَا مِنْ آحَادِهَا. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ هَذَا الْبَعْضَ الْمُعَيَّنَ مِنْهَا آحَادٌ، دُونَ هَذَا الْبَعْضِ، تَحَكُّمٌ مَحْضٌ، وَتَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِذَا انْتَفَى الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَهَا مُتَوَاتِرٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَتَعَيَّنَ الْمُدَّعَى» .
قَوْلُهُ: «قَالُوا الْآحَادُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ» ، يَعْنِي: الْخَصْمَ النَّافِي لِلتَّوَاتُرِ عَنِ الْقِرَاءَاتِ جَمِيعِهَا، قَالَ: لَيْسَتِ الْقِسْمَةُ فِي دَلِيلِكُمْ حَاصِرَةً، بَلْ هُنَا قِسْمٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْآحَادَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، لَا جَمِيعُهَا، وَلَا بَعْضٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا: مُحَالٌ» ، أَيْ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْآحَادَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُشْتَمِلَةً عَلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْآحَادِ وَالتَّوَاتُرِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ التَّوَاتُرَ مَعْلُومٌ، وَالْآحَادُ مَظْنُونٌ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَالْمَظْنُونِ حَاصِلٌ بِضَرُورَةِ الْوِجْدَانِ، كَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْجُوعِ وَالشِّبَعِ، وَالرَّيِّ وَالْعَطَشِ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْوِجْدَانِيَّاتِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي الْقِرَاءَاتِ مَظْنُونٌ ; فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا آحَادٌ، وَإِلَّا لَوُجِدَتِ الْآحَادُ مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ بِمُجَرَّدِهَا، وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنِّي سَلَكْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةَ الْأَكْثَرِينَ فِي نُصْرَةِ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ