. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَفْسِي كَلَامًا» إِنَّمَا أَفَادَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فِي نَفْسِي، وَسِيَاقِ الْقِصَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} [الْمُلْكِ: 13] ; فَلَا حُجَّةَ فِيهَا ; لِأَنَّ الْإِسْرَارَ نَقِيضُ الْجَهْرِ، وَكِلَاهُمَا عِبَارَةٌ ; إِحْدَاهُمَا أَرْفَعُ صَوْتًا مِنَ الْأُخْرَى.
وَأَمَّا الشِّعْرُ فَهُوَ لِلْأَخْطَلِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ: «
إِنَّ الْبَيَانَ لَفِي الْفُؤَادِ
» ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَمَا ذَكَرْتُمْ ; فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ مَادَّةِ الْكَلَامِ، وَهِيَ التَّصَوُّرَاتُ الْمُصَحَّحَةُ، إِذْ مَنْ لَا يَتَصَوَّرُ مَعْنَى مَا يَقُولُ، لَا يُوجَدُ مِنْهُ كَلَامٌ، ثُمَّ هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ هَذَا الشَّاعِرِ فِي تَرْجِيحِ الْفُؤَادِ عَلَى اللِّسَانِ، إِشَارَةً إِلَى نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ:
لِسَانُ الْفَتَى نَصِفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ ... فَمَا الْمَرْءُ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَإِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.
ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ; مَعَ أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ فُضَلَاءُ، يُجِيزُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَخْلُقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا وَسَمْعًا لِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ، مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ قَلْبٌ لِحَقِيقَةِ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ، إِذْ حَقِيقَةُ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ اتِّصَالُ الْأَصْوَاتِ