. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَمَّا التَّوْقِيفُ: فَبِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمُكَلَّفِينَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِالْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَنِسْبَةِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَحْصُلَ الْعِلْمُ لَهُمْ بِهَا تَوْقِيفًا.
وَأَمَّا الِاصْطِلَاحُ: فَبِأَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَوَاعِيَ الْعُقَلَاءِ بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى مَا يَتَخَاطَبُونَ بِهِ، وَيُعِينُهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، فَيَحْصُلُ التَّخَاطُبُ بَيْنَهُمْ بِالِاصْطِلَاحِ، وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ يَظْهَرُ إِمْكَانُهُمَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.
قَوْلُهُ: «وَالْخَطْبُ فِيهَا يَسِيرٌ» ، أَيْ: وَالْخَطْبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَسِيرٌ، أَيْ: أَمْرُهَا سَهْلٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ تُذْكَرْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ نَقْصًا، إِذْ لَا يَرْتَبِطُ بِهَا تَعَبُّدٌ عَمَلِيٌّ وَلَا اعْتِقَادِيٌّ، أَيْ: لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا مَعْرِفَةُ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا مَعْرِفَةُ اعْتِقَادٍ مِنَ اعْتِقَادَاتِهَا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا كَانَ أَمْرُهَا هَكَذَا، فَلِمَ أَطْنَبَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهَا هَذَا الْإِطْنَابَ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَنْفَعُ، عَبَثٌ؟
قُلْنَا: لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ مِنَ الْعُلُومِ، فَفِي مَسَائِلِهِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الضَّرُورَاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَفِيهَا مَا يَجْرِي مَجْرَى الرِّيَاضَاتِ الَّتِي يَرْتَاضُ الْعُلَمَاءُ بِالنَّظَرِ فِيهَا، فَتَكُونُ فَائِدَتُهَا الرِّيَاضَةَ النَّظَرِيَّةَ لَا دَفْعَ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ وَنَحْنُ إِنَّمَا نَفَيْنَا فَائِدَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَمَلِ وَالِاعْتِقَادِ لَا فِي الْعِلْمِ عَلَى جِهَةِ الِارْتِيَاضِ، وَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ يُصَوِّرُونَ مِنَ الْمَسَائِلِ فِي الْوَصَايَا وَالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَغَيْرِهَا صُوَرًا يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ - أَوْ يَنْدُرُ - وُقُوعُهَا، وَيَبْحَثُونَ فِيهَا الْبَحْثَ الْعَرِيضَ