الرَّابِعَةُ: إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ التَّوَقُّفُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفِئَتَيْنِ: يُخَيَّرُ بِالْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ.
لَنَا: إِعْمَالُهُمَا جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَإِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ تَحَكُّمٌ، فَتَعَيَّنَ التَّوَقُّفُ عَلَى ظُهُورِ الْمُرَجِّحِ.
قَالُوا: التَّوَقُّفُ لَا إِلَى غَايَةٍ تَعْطِيلٌ، وَرُبَّمَا لَمْ يَقْبَلِ الْحُكْمُ التَّأْخِيرَ، وَإِلَى غَايَةٍ مَجْهُولَةٍ مُمْتَنِعٌ، وَمَعْلُومَةٍ لَا يُمْكِنُ؛ إِذْ ظُهُورُ الْمُرَجِّحِ لَيْسَ إِلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ التَّخْيِيرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، كَتَخْيِيرِ الْمُزَكِّي بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتٍ لَبُونٍ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَتَخَيُّرِ الْعَامِّيِّ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ، أَوْ أَحَدَ جُدْرَانِ الْكَعْبَةِ، وَفِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَنَحْوِهَا.
قُلْنَا: يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُرَجِّحُ، وَلَا اسْتِحَالَةَ، كَمَا يَتَوَقَّفُ إِذَا لَمْ يَجِدْ دَلِيلًا ابْتِدَاءً، أَوْ كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ.
وَالتَّخْيِيرُ رَافِعٌ لِحُكْمِ كُلٍّ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالتَّخْيِيرُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ قَامَ دَلِيلُهُ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَسْأَلَةُ «الرَّابِعَةُ: إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا، لَزِمَهُ التَّوَقُّفُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفِئَتَيْنِ» - يَعْنِي الطَّائِفَتَيْنِ، الْوَاحِدَةُ فِئَةٌ -: «يُخَيَّرُ بِالْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ» .
قُلْتُ: ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ بِنَاءَ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّصْوِيبِ، فَمَنْ قَالَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ؛ قَالَ: لَا تَعَارُضَ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَإِنَّمَا هَذَا لِعَجْزِ الْمُجْتَهِدِ، فَيَلْزَمُهُ التَّوَقُّفُ، أَوِ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ، أَوْ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ آخَرَ عَثَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ.