وَمَنْ حَصَّلَ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا وَإِنْ جَهِلَ حُكْمَ غَيْرِهَا. وَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِجَوَازِ تَعَلُّقِ بَعْضِ مَدَارِكِهَا بِمَا يَجْهَلُهُ، وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ فِي تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ.

وَلَنَا: قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ: لَا أَدْرِي، حَتَّى قَالَهُ مَالِكٌ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مِنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ.

قَالُوا: لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ.

قُلْنَا: (لَا أَدْرِي) أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعِلْمِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ فِي اجْتِهَادِهِ بَلْ فِي قَبُولِ فُتْيَاهُ وَخَبَرِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْلُهُ: «وَمَنْ حَصَّلَ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا وَإِنْ جَهِلَ حُكْمَ غَيْرِهَا، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ» ، إِلَى آخِرِهِ.

يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الشَّرْعِ، كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَنَحْوِهِمْ. أَمَّا مَنْ أَفْتَى فِي فَنٍّ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وُجِدَ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْفَنِّ، أَوْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا حَصَّلَ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ، كَمَنْ عَرَفَ أُصُولَ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَهُوَ فَقِيهُ النَّفْسِ فِيهَا عَارِفًا بِمَعَانِيهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشَرَّكَةِ، وَمَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ وَالْجَدِّ، وَالْمَفْقُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَسَائِلِ الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا، وَنَحْوِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ.

وَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، فَقَالُوا: لَا يَجْتَهِدُ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا مَنْ حَصَّلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015