. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ لَا يَلْزَمُ فِي تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ تَعْدَادُ الْأَوْصَافِ، بَلْ قَدْ لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ إِلَّا وَصْفٌ وَاحِدٌ هُوَ الْعِلَّةُ، فَتُسْتَخْرَجُ بِالِاجْتِهَادِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ بِالِاجْتِهَادِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ: هُوَ النَّظَرُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا.
وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ: هُوَ النَّظَرُ فِي تَعْيِينِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، بِحَذْفِ مَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ، كَمَا ذُكِرَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ.
وَتَخْرِيجُ الْمَنَاطِ: هُوَ النَّظَرُ فِي إِثْبَاتِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِالرَّأْي وَالِاجْتِهَادِ، كَالنَّظَرِ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ الْحَوَارِيُّ فِي «لُبَابِ الْقِيَاسِ» : الْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلُّ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ أَمَارَةً مُعَرِّفَةً لِثُبُوتِ الْحُكْمِ، ثُمَّ كَوْنُهُ مُعَرِّفًا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ يُعْرَفُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَفِي تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَفِي تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ بِالِاجْتِهَادِ.
وَحَكَى الْقَرَافِيُّ: أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ هُوَ إِلْغَاءُ الْفَارِقِ، نَحْوُ: لَا فَارِقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي مَفْهُومِ الرِّقِّ وَتَشْطِيرِ الْحَدِّ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ فِي الْإِمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِتَسْمِيَةِ إِلْغَاءِ الْفَارِقِ تَنْقِيحًا، إِذِ التَّنْقِيحُ هُوَ التَّخْلِيصُ وَالتَّصْفِيَةُ، وَبِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ يَصْفُو الْوَصْفُ، وَيَخْلُصُ لِلْعِلِّيَّةِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا قَوْلًا