. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ فِيهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَمِنَ التَّعْرِيفَاتِ الْفَاسِدَةِ لِلْقِيَاسِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ إِصَابَةُ الْحَقِّ، وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، لَا يَكُونُ قِيَاسًا.
وَقَدْ يُطْلَقُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَوْضُوعَتَيْنِ وَضْعًا خَاصًّا بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُمَا نَتِيجَةٌ.
وَيَرْسُمُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ إِذَا سُلِّمَتْ، لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ، نَحْوُ: كُلُّ حَيَوَانٍ جِسْمٌ، وَكُلُّ جِسْمٍ مُؤَلَّفٌ، يَلْزَمُ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ مُؤَلَّفٌ، فَهَذِهِ نَتِيجَةٌ لَازِمَةٌ عَنْ مُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَوْ أَضَفْنَا إِلَيْهِمَا مُقَدِّمَةً أُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُنَا: كُلُّ مُؤَلَّفٍ مُحْدَثٌ ; لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ مُحْدَثٌ، فَهِيَ نَتِيجَةٌ لَازِمَةٌ عَنْ مُقَدِّمَاتٍ بِطْرِيقِ التَّرْكِيبِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِطْلَاقُ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ اسْمٌ إِضَافِيٌّ يَسْتَدْعِي أَمْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَيُقَدَّرُ بِهِ، كَمَا ذُكِرَ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ تَقْدِيرُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ.
قُلْتُ: تَسْمِيَةُ الْمَنْطِقِيِّينَ لِهَذَا قَيَاسًا هُوَ اصْطِلَاحٌ بَيْنِهِمْ، وَالْأَمْرُ فِي الِاصْطِلَاحِيَّاتِ قَرِيبٌ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَرِيًّا عَنْ مَعْنَى التَّقْدِيرِ وَالِاعْتِبَارِ، إِذْ هُوَ اعْتِبَارٌ لِلنَّتِيجَةِ بِالْمُقْدِّمَتَيْنِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ، وَتَقْدِيرٌ لَهَا بِنَظَائِرِهَا مِنَ النَّتَائِجِ فِي طَرِيقِ لُزُومِهَا عَنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَغَايَةُ مَا ثَمَّ أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيرِ فِي هَذَا أَخْفَى مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا لُغَةً أَوْ فِي مَعْنَاهُ.