. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أَمَّا تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُوسِرِ، فَلَيْسَ يَبْعُدُ إِذَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَهُوَ عَامٌّ ضَعِيفٌ فَيُخَصُّ بِهَذَا الِاجْتِهَادِ الْمَصْلَحِيِّ الْمُنَاسِبِ، وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ طَرِيقٌ مَهْيَعٌ. وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ.

وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الْوَاقِعَةُ مَوْقِعَ التَحْسِينِ أَوِ الْحَاجَةِ، كَمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَتَسْلِيطِهِ عَلَى تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهِيَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لَا يُعَارِضُهَا مَفْسَدَةٌ، فَكَانَ تَحْصِيلُهَا مُتَعَيَّنًا.

وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ كَحِفْظِ الدِّينِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِرْضِ، وَالْمَالِ، فَهِيَ وَإِنْ عَارَضَتْهَا مَفْسَدَةٌ، وَهِيَ إِتْلَافُ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ، وَيَدِ السَّارِقِ بِالْقَطْعِ، وَإِيلَامُ الشَّارِبِ وَالزَّانِي وَالْقَاذِفِ بِالضَّرْبِ، لَكِنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَحْصِيلِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، فَكَانَ تَحْصِيلُهَا مُتَعَيَّنًا، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمَسْجِدِ وَالْفَرَسِ الْحَبِيسِ إِذَا تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، تَضَمَّنَ مَصْلَحَةً، وَهِيَ اسْتِخْلَافُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ الْمَقْصُودَةِ بِبَيْعِهِ، وَمَفْسَدَةً، وَهِيَ إِسْقَاطُ حَقِّ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مِنْ عَيْنِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِيهَا، فَنَحْنُ رَجَّحْنَا تَحْصِيلَ الْمَصْلَحَةِ، وَغَيْرُنَا رَجَّحَ نَفْيَ الْمَفْسَدَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015