. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَخْلُوقٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلُهُ: «وَهَذَا أَبْلَغُ» يَعْنِي: أَنَّ تَكْلِيفَ الْعَبْدِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ أَنَّ أَفْعَالَهُ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لَهُ، أَبْلَغُ مِنْ تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عَقْلًا بِاحْتِمَالِ أَلَمِ الْإِكْرَاهِ، وَقَدْ شُوهِدَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدَّرَهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «وَمَنْ لَا، فَلَا» ، أَيْ: وَمَنْ لَا يَرَى أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَمْ يَرَ تَكْلِيفَ الْمُكْرَهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ، لَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تَحْقِيقًا لِعَدْلِهِ، إِذْ لَوْ خَلَقَهَا، ثُمَّ عَاقَبَ عَلَيْهَا، كَانَ ذَلِكَ جَوْرًا، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمْ تَقْرِيرُ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ أَنَّ التَّكْلِيفَ كُلَّهُ بِغَيْرِ مَقْدُورٍ، فَيَلْحَقُ بِهِ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى.
وَذَكَرَ الْكِنَانِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ مَأْخَذًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ فِي التَّخْوِيفِ وَالْإِكْرَاهِ مَا يَتَضَمَّنُ ضَرُورِيَّةَ الْفِعْلِ لِدَاعٍ، أَيْ: مَا يَقْتَضِي اضْطِرَارَ الْمُكْرَهِ إِلَى الْفِعْلِ لِدَاعِي الطَّبْعِ، أَمْ لَا؟
قُلْتُ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ وُقُوعُهُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: «وَالْعَدْلُ الشَّرْعِيُّ الظَّاهِرُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَكْلِيفِهِ» يَعْنِي تَكْلِيفَ الْمُكْرَهِ مُطْلَقًا، أَمَّا الَّذِي بَلَغَ إِلَى حَدِّ الْإِلْجَاءِ، فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْمُكْرَهُ بِمُطْلَقِ الْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا عُرِّفَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ فَلِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ مِنْهُ شَرْعًا، فَفِي الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَتَضْيِيقٌ لِمَا وَسَّعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ