. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[آلِ عِمْرَانَ: 48 - 49] ، فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَدِلَّةِ عُمُومِ دَعْوَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ إِلَى النَّاسِ مُرْسَلٌ إِلَى كُلِّ جُزْءٍ وَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ.

وَأَمَّا أَنَّ شَرِيعَتَهُ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، فَلِأَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا، وَشَرِيعَةُ عِيسَى نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 50] ، يَعْنِي فِي شَرْعِ التَّوْرَاةِ، وَذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ النَّسْخِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي نَسْخِ الشَّرِيعَةِ نَسْخُ جَمِيعِهَا، بَلْ يَكْفِي فِي تَسْمِيَتِهَا مَنْسُوخَةً نَسْخُ بَعْضِ أَحْكَامِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَسَخَتْ كُلَّ شَرِيعَةٍ قَبْلَهَا، مَعَ أَنَّهَا قَرَّرَتْ بَعْضَ الْأَحْكَامِ، فَلَمْ تُنْسَخْ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلَ بِعْثَتِهِ مُتَعَبَّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَيِّنَ لِذَلِكَ شَرِيعَةَ عِيسَى، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ ; مِنْهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَبَّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ " إِلَيْهِ بِطَرِيقٍ عِلْمِيٍّ " لِطُولِ الْمُدَّةِ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّقَلَةِ، " وَهُوَ الْمُرَادُ بِزَمَنِ الْفَتْرَةِ " وأَيْضًا لِئَلَّا يَلْحَقَهُ الْغَضُّ بِتَبَعِيَّةِ مَنْ قَبْلَهُ.

وَتَوَقَّفَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ فِيهِ، وَهُمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْغَزَالِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ.

قُلْتُ: مِنَ الْمُتَّجِهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِالْإِلْهَامِ، أَيْ: يُلْهِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَاتٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015