الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخُهُ - شَرْعٌ لَنَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، اخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالثَّانِي: لَا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ كَالْقَوْلَيْنِ.
الْمُثْبَتُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ} الْآيَةَ، وَدِلَالَتُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} ، {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ: السِّنُّ بِالسِّنِّ إِلَّا مَا حُكِيَ فِيهِ عَنِ التَّوْرَاةِ، وَرَاجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوْرَاةَ فِي رَجْمِ الزَّانِيَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ بِـ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} عَلَى قَضَاءِ الْمَنْسِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَاتِ: التَّوْحِيدُ وَالْأُصُولُ الْكُلِّيَّةُ، وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الشَّرَائِعِ، وَ «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» إِشَارَةٌ إِلَى عُمُومِ: {فَمَنِ اعْتَدَى} ، أَوِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ، وَمُرَاجَعَتُهُ التَّوْرَاةَ تَحْقِيْقًا لِكَذِبِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِالْقُرْآنِ، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} قِيَاسٌ أَوْ تَأْكِيدٌ لِدَلِيلِهِ بِهِ، أَوْ عَلِمَ عُمُومَهُ لَهُ، لَا حُكْمٌ بِشَرْعِ مُوسَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ ":
لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ، أَخَذَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأُصُولِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالِاسْتِحْسَانُ، وَالِاسْتِصْلَاحُ.
قَوْلُهُ: " أَحَدُهَا "، أَيْ: أَحَدُ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ: " شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخُهُ - شَرْعٌ لَنَا ". أَيْ: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا إِنْ وَرَدَ نَاسِخُهُ فِي شَرْعِنَا، فَلَيْسَ شَرْعًا