لَنَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} وَالدَّعْوَى نَفْيُهُ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْخَصْمَيْنِ يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْ دَعْوَاهُ بِعِبَارَةٍ نَافِيَةٍ، كَقَوْلِ مُدَّعِي حُدُوثَ الْعَالَمِ: لَيْسَ بِقَدِيمٍ، وَقِدَمُهُ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَيَسْقُطُ الدَّلِيلُ عَنْهُمَا فَتَعُمُّ الْجَهَالَةُ وَيَقَعُ الْخَبْطُ وَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَطَرِيقُ الدَّلَالَةِ عَلَى النَّفْيِ بَيَانُ لُزُومِ الْمُحَالِ مِنَ الْإِثْبَاتِ وَنَحْوِهِ.
قَالُوا: النَّفْيُ أَصْلِيُّ الْوُجُودِ، فَاسْتُغْنِيَ عَنِ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَلْزَمُهُ دَلِيلٌ.
قُلْنَا: الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الدَّلِيلِ لَا يُسْقِطُهُ، وَتَعَذُّرُهُ مَمْنُوعٌ، وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَنِ الْمَدِينِ مَمْنُوعٌ، إِذِ الْيَمِينُ دَلِيلٌ، وَإِنْ سُلِّمَ فَلِتَعَذُّرِهِ، إِذِ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ لِتَعَذُّرِهَا، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَغْنَاهُ عَنِ الدَّلِيلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إِجْمَاعِيٌّ كَنَفْيِ صَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ نَصِّيٌّ كَنَفْيِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، أَوْ قِيَاسِيٌّ كَإِلْحَاقِ الْخُضْرَاوَاتِ بِالرُّمَّانِ فِي نَفْيِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَعَلَى نَفْيِ الْعَقْلِيِّ مَا سَبَقَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: «لَنَا:» ، أَيْ: عَلَى أَنَّ نَافِيَ الْحُكْمِ يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَلْزَمَ النَّافِيَ الدَّلِيلَ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ، لَمَا أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَدْلٌ فِي مُنَاظَرَتِهِ، وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حِكَايَةً عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: