. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفِقْهِ مِنْ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، يَعْنِي فِي النَّحْوِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ مَأْخَذَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي غَايَةِ اللَّطَافَةِ، وَنَظَرَهُ فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ، وَالْجَرْيُ عَلَى قَوَاعِدِ الْحِكْمَةِ، وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ - لِمَنِ اعْتَبَرَهَا - مِنَ الْحِكْمَةِ بِمَكَانٍ عَلَى مَا أَشَرْتُ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ كَانَ ذَكِيًّا، وَلَهُ نَظَرٌ يَسِيرٌ فِي الْفِقْهِ، فَعَادَ يَتَنَبَّهُ بِلَطَافَةِ حِكْمَةِ سِيبَوَيْهِ، وَمَأْخَذِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْعِ، وَمَأْخَذِهِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الْكِسَائِيَّ قِيلَ لَهُ يَوْمًا: مَا تَقُولُ فِي الْمُصَلِّي يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ، وَيَسْهُو أَنَّهُ سَهَا هَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ التَّصْغِيرَ عِنْدَنَا لَا يُصَغَّرُ.
قُلْتُ: فَقَدِ اعْتَبَرَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْمِثَالَ، لِئَلَّا يَسْتَبْعِدَ بَعْضُ أَجْلَافِ الْفُقَهَاءِ مَا حُكِيَ عَنِ الْجَرْمِيِّ وَيَقُولُ: أَيْنَ النَّحْوُ مِنَ الْفِقْهِ حَتَّى تُسْتَفَادَ أَحْكَامُهُ مِنْهُ؟ ! فَبَيَّنْتُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ جَوْدَةِ الذِّهْنِ، وَلُطْفِ الْمَأْخَذِ، وَدِقَّةِ النَّظَرِ، وَسُرْعَةِ التَّنْبِيهِ، دَاخِلٌ فِي الْمُمْكِنِ، قَرِيبُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَقِيهِ الصِّرْفِ الَّذِي لَمْ يَتَنَقَّحْ ذِهْنُهُ بِالْمَبَاحِثِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْمَآخِذِ النَّظَرِيَّةِ، فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى الَّذِي قَبْلَهُ مِمَّنْ تَهَذَّبَتْ قُوَّتُهُ النَّظَرِيَّةُ نِسْبَةُ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالظُّلْمَةِ إِلَى الضِّيَاءِ، خُصُوصًا إِنْ كَانَ جَاهِلًا مُرَكَّبًا، يَجْهَلُ، وَيَجْهَلُ أَنَّهُ يَجْهَلُ، فَيَكُونُ كَمَا قِيلَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ شَقَاءً مَنْ بُلِيَ بِلِسَانٍ