. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [الْمَائِدَةِ: 116] اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَقِيلٍ عَرَّفَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ الْعِلْمَ الْمُحْدَثَ، وَقَدْ بَعُدَ عَهْدِي بِكَلَامِهِ.
وَقَدِ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَدِّ الْعِلْمِ عِبَارَاتٍ.
فَمِنْهُمُ ابْنُ الصَّيْقَلِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: الْعِلْمُ هُوَ الْقَضَاءُ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَا، مَعَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا كَذَا قَضَاءً لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ، وَالْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمَنْطِقِيِّينَ.
فَقَوْلُهُ: الْقَضَاءُ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَا، جِنْسُ الْحَدِّ، وَقَوْلُهُ: مَعَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا كَذَا، فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ الظَّنُّ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَا، لَكِنْ مَعَ إِمْكَانِ أَلَّا يَكُونَ، وَقَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ، يَفْصِلُهُ عَنِ اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ الْمُصَمِّمِ عَلَى اعْتِقَادِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ زَوَالُهُ بِالتَّشْكِيكِ أَوْ بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ كَذَلِكَ، يَفْصِلُهُ عَنِ الْجَهْلِ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ.
وَمِنْهُمْ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ، قَالَ: الْعِلْمُ، عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا لِنَفْسِ الْمُتَّصِفِ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ حَقَائِقِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ تَمْيِيزًا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ مُقَابِلِهِ.
وَمِنْهُمُ ابْنُ الْحَاجِبِ، اخْتَصَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْعِلْمُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ.
فَقَوْلُهُ: صِفَةُ، جِنْسٌ لِلْحَدِّ، يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ، كَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَقَوْلُهُ: تُوجِبُ تَمْيِيزًا، أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ إِلَّا الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ، لَكِنْ بَقِيَ الْحَدُّ مُتَنَاوِلًا لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا صِفَاتٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا، فَبِقَوْلِهِ: لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، خَرَجَ ذَلِكَ، وَبَقِيَ الْحَدُّ مُسْتَقِلًّا بِصِفَةِ الْعِلْمِ.