يقول: "وإذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد له طعم ولا رائحة ولا لون فهو طاهر" إذا وجد طعم النجاسة أو لون النجاسة أو رائحتها فإنه ينجس بالإجماع قليلاً كان أو كثيراً، إجماع، وورد فيه حديث أبي أمامة: ((إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) لكنه ضعيف باتفاق الحفاظ، فالمعول في هذه المسألة على الإجماع، ثم استثنى مما بلغ هذا المقدار ما كانت النجاسة التي وقعت فيه بولاً أو عذرة إلا أن تكون النجاسة بولاً أو عذرة مائعة فإنه ينجس ولو كان كثيراً، ولو كان أكثر من قلتين، إلا أن يكون مما يشق نزحه، فعلى هذا لو وقعت النجاسة في بئر، وفيها أكثر من قلتين يجب نزحه، إذا كانت بول أو عذرة، فإنه ينزح "إلا أن يشق نزحه مثل المصانع" الأحواض الكبار التي هيئت للحجاج بطريق مكة، هذه يشق نزحها، أحواض كبيرة جداً، هيئت للحجاج في طريق حجاج العراق، يشق نزحها فاستثنوها، وعلى هذا التفريق في النجاسات بين البول والعذرة المائعة وسائر النجاسات هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو قول معروف في المذهب، ورواية مشهورة، لكن المختار عند جمع من الأصحاب، وهو المرجح عند شيخ الإسلام وغيره أنه لا فرق بين بول الآدمي وعذرته المائعة، وبين سائر النجاسات، فبول الآدمي ليس بأشد من بول الكلب مثلاً.
"إلا أن يكون الماء مثل المصانع التي بطريق مكة، وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها" يعني لو كلف الناس بنزح المياه الكثيرة نالهم بذلك المشقة العظيمة، فمثل هذا لا ينزح.
في قوم أو أسرة أو مجموعة من الناس سكنوا البر مدة الربيع كان عندهم برميل كبير يسع قلال، جاء ولد من أولادهم فرقي على البرميل هذا وبال فيه، وما تغير هذا البرميل، هذه مسألة واقعية ما تغير لا لونه ولا طعمه ولا رائحته، لكن فيما جرى عليه الناس في هذه الأيام هل يمكن أن يقدم أحد فيشرب من هذا الماء، أو يتوضأ منه؟ يستقذرونه بلا شك، فمرد ذلك لا إلى الحكم الشرعي، وإنما مرده إلى الاستقذار.