وعلى هذا الأساس يكون مرد المسألة إلى رفع الحدث أو إلى استعمال الماء في الحدث أو في غيره، وإذا قلنا بهذا طردنا هذا في المسلمة والذمية في الغسل الواجب والمستحب والمباح الذي هو للتبرد ونحوه، فإما أن نقول: إنه يؤثر في جميع هذه الصور أو غير مؤثر؟ المذهب على أنه يؤثر، ولولا أنه يؤثر لما نهي عن الاغتسال فيه، ولولا أنه يؤثر لما أمر القائم من نوم الليل بغسل اليد ثلاثاً قبل إدخالها في الإناء، فدل على أن الماء يتأثر، افترضنا أن هذا المغتسل اغتسل قبل حدثه بدقائق بالماء والصابون، وتنظف بأنواع المنظفات، ثم انغمس لرفع الحدث يؤثر وإلا ما يؤثر؟ يؤثر، إذاً ليس مرد ذلك تأثر الماء ببدن المغتسل، ولو كان المراد به تأثر الماء ببدن المغتسل ما فرقنا بين المسلمة والذمية، ولا بين أنواع الأغسال الواجبة والمستحبة والمباحة، لكن هم نظروا إلى الأحاديث، وقالوا: إن النهي يقتضي التحريم، والتحريم لا شك أنه لولا أنه يؤثر في الماء لما نهي عنه، من يقول بالقول الآخر يقول: إن التأثير لا ينقله عن كونه مطهر إلى كونه طاهر غير مطهر، إنما التأثير في تقذيره على من يريد استعماله مرة أخرى، وأما بالنسبة للماء فلا يتأثر، فيستعمل ولو استعمل قبل ذلك، يكون طاهراً مطهراً، وعلى القول الأول طاهر غير مطهر، فتقذير الماء على من يريد استعماله يكون بالغسل الواجب، ويكون بالغسل المستحب والمباح على حد سواء، من المسلم وغير المسلم إذا قلنا بأن الكافر نجاسته حكمية لا عينية، معنوية لا حسية، وهو قول الجمهور، أما من يقول بأن نجاسته حسية ينجس الماء، ورواية عن أبي حنيفة -رحمه الله-، وهي رواية أيضاً في المذهب لكنها غير مشهورة أن الماء الذي يغتسل فيه ينجس، يصير نجساً، لماذا؟ لأن الاغتسال قرن بالبول ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة)) فقرن به فدل على أن الحكم واحد، البول منع منه للنجاسة، إذاً الاغتسال منع منه للنجاسة، فالأقوال في المسألة ثلاثة، القول الأول وهو ما مشى عليه المؤلف أنه طاهر، لكنه لا يتوضأ به، ولا يرفع حدثاً مرة أخرى، والقول الثاني أنه طاهر مطهر، وأشرنا سابقاً إلى أن من أهل العلم من يرى أنه أولى بالتطهير