فإن خفتم والطالب ليس بخائف بخلاف المطلوب، على أنه يمكن أن يقال: إن الخوف أعم من أن يكون على النفس أو على فوات المقصود، مع أن الأمن اشترط للقصر فقد يشرع الحكم لعلة فترتفع العلة، ويبقى الحكم، وهذا نظيره، فيكون لكلام المؤلف وجه، ولا شك أن فوت العدو، وإفلاته من يد المسلمين بعد أن تجهزوا لغزوه فوات أمر مقصود شرعاً، ومطلوب شرعاً، فكلام المؤلف سواءً كان طالباً أو مطلوباً متجه، هو المتجه أما كون المسلمين يهتمون لغزو عدوهم، ويهتمون له، ويبذلون في سبيله ما يستطيعون، ثم بعد ذلك يفوتهم ويفرط بهذا العدو المقدور عليه بسبب استقبال القبلة، لا شك أن مثل هذا يفوت مصلحة عظيمة راجحة فرط بسبب الجهاد والغزو بكثير من الأركان، بل بصورة الصلاة، واكتفي منها بأقل القدر المجزئ الذي لا يجزئ بحال في حال الأمن، يعني الصلاة أحياناً يكتفى فيها بالإيماء في حال المسايفة، وأحياناً يكتفى بأي جزء منها بركعة، فلئن يفرط بشرط من الشروط لهذا المقصد العظيم الجليل من باب أولى، وحينئذٍ يتجه قول المؤلف: "سواءً كان طالباً أو مطلوباً" نعم؟

طالب: أقول: قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ} [(239) سورة البقرة] التي احتج بها أبو بكر ألا يمكن أن يدخل فيها خوف فوات العدو؟

نعم أنا أقول: الفوات أعم من أن يكون على النفس، فوت المقصود والهدف خوف، وأيضاً مسألة القصر اشترط فيها الخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ومع ذلك القصر مشروع وإن ارتفع الخوف؛ لأن هذا الحكم من الأحكام التي شرعت لعلة، فارتفعت العلة، وبقي الحكم.

"وإذا اشتد الخوف وهو مطلوب ابتدأ الصلاة إلى القبلة، وصلى إلى غيرها راجلاً أو راكباً" و (أو) هذه كما في النسخة المشار إليها المخطوطة (أو) هذه للتقسيم "وأذن بالناس في الحج يأتوك رجالاً أو ركباناً" فـ (أو) هذه للتقسيم قسم يأتي كذا وقسم يأتي كذا، قسم يأتي راكب، وقسم يأتي راجل، والواو أيضاً سائغة في مثل هذا؛ لأنها للمغايرة، فالرجال غير الركبان، رجالاً وركباناً، يعني تأتي بمعنى (أو) و (أو) تأتي بمعنى الواو أيضاً "ربما عاقبت الواو" كما يقول ابن مالك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015