وإذا كان المراد أن طالب العلم لن يعرف من أحوال الرجال إذا بذل الجهد في معرفتهم هذا الكلام ليس بصحيح، بل طالب العلم الذي يحرص على معرفة الرجال يحصل لديه خبرة ولديه ملكة بمعرفة أحوالهم لا تحصل لغيره ممن لا يعتني بمثل عنايته، أو يكون اطلاعه أقل أو تكون حافظته أقل، يعني شرحنا مراراً لمعرفة هذا العلم الصعب في مناسبات كثيرة قلنا: طالب العلم يجعل التقريب عنده محور عمل، فيمسك الراوي الأول ويحضر معه تهذيب الكمال مثلاً، وينظر ما قيل في هذا الراوي، ينظر في حكم ابن حجر، وينظر ما قاله الأئمة في كتبهم الأصلية، يرجع إلى التاريخ الكبير، يرجع إلى الجرح والتعديل، يرجع إلى الثقات، يرجع إلى المجروحين، يرجع إلى الكمال، يرجع إلى تهذيبه وتذهيبه كل الكتب يجمعها وينظر ما قيل في هذا الرجل، هذا بعد أن يعرف قواعد الجرح والتعديل، وتتكون لديه أهلية النظر في هذا الفن، يعني يديم النظر في أحكام أهل العلم على الأحاديث، وكيف يتخرجون منها؟ وكيف؟ فقد يضعفون راوٍ في هذا الحديث ويوثقونه في حديث آخر، يضعفونه في هذا الشيخ، ويوثقونه في شيخ آخر، هذا العلم دون الإحاطة به خرط القتاد، لكن من سار على الدرب وصل، ولا يطمع إنسان أنه يصل إلى الغاية في هذا الباب أبداً، لكن تتكون لديه أهلية، وتتكون لديه حصيلة، ومن خلال إدامة النظر في كتب الرجال وأقوال أهل العلم وأحكامهم على الرجال، وأحكامهم على الحديث تتكون لديه أهلية، فإذا مسك التقريب ومسك الرواة واحداً بعد الآخر، وقارن بين أقوال الأئمة وجد هذا الراوي قال فيه ابن حجر: ثقة، ثم رجعنا إلى تهذيب الكمال، وجدنا فيه عشرين قولاً، عشرة وثقوه بإطلاق، وخمسة ضعفوه بإطلاق، وأربعة وثقوه مقرون، وواحد وثقه بالتقييد بالنسبة لفلان أو بالنسبة للحديث الفلاني استطعنا أن ننظر ونوازن بين هذه الأقوال.