مالك والشافعي يرجحان أذان أبي محذورة، ويختلفان في التكبير، فمالك عنده تكبيرتان فقط، الله أكبر الله أكبر، بينما عند الشافعي أربع تكبيرات، بتربيع التكبير مع الترجيع، الترجيع عرفناه وهو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، بصوت منخفض، ثم يرفع بهما صوته، هكذا علمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أعني أبا محذورة، وأبو محذورة شاب يلعب مع الغلمان، لما سمع الأذان أذان بلال استهزأ به وقلده بعد فتح مكة، فقلده بصوت جميل، فدعي وأتي به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلمه الأذان، وجعله مؤذناً بمكة.
من رجح أذان أبي محذورة قال: علمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وألقاه عليه بالحرف، وهو بعد الأذان الأول، أذان بلال الذي رآه عبد الله بن زيد، فهو آخر الأمرين، عرفنا أن أذان عبد الله بن زيد الذي ألقاه على بلال اكتسب الشرعية بالإقرار، والإقرار سنة ترفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كالقول والفعل، فكونه علمه أبا محذورة لا يعني أن غيره لا ينسب إليه، ولا يضاف إليه، وكونه متأخر عن أذان عبد الله بن زيد لا يعني أنه ناسخ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رجع إلى المدينة استمر على أذان بلال، فليس بمنسوخ، وإن كان أذان أبي محذورة متأخراً عنه.
غاية ما يقال في مثل هذا أنه يجوز الأمران، يجوز الأذان بالصيغتين المعروفتين أذان بلال وأذان أبي محذورة، ولا إشكال في هذا، هناك من الأذكار ما جاء على صيغ كأدعية الاستفتاح والتشهدات، وقول ربنا ولك الحمد، وغير ذلك كثير كلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- واختلافها إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ومن رجح هذا على هذا فلا يلام؛ لأن الكل ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن عمل بهذا مرة وبهذا مرة فقد أصاب؛ لأنها كلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.