الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ويمسح على ظاهر القدم، فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه، والرجل والمرأة في ذلك سواء" يمسح على ظاهر القدم دون أسفله، ودون جوانبه، وفي الأثر المروي عن علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" وهو عند أبي داود بسند حسن، جيد، حسن سنده، ثم يقول: "وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح أعلى الخف، فالمسح للخف من أعلاه من الأصابع إلى أن يتجاوز الكعبين، إلى أن يشرع في الساق، ولا يستوعب أيضاً الأعلى بالمسح، وإنما يمسح بأصابعه خطوطاً، وليس المراد بذلك بهذا المسح التنظيف؛ لأن المسح مبناه على التخفيف، نعم قد يزيل هذا المسح يزيل الغبار اللاحق بظهر الخف ليظهر الخف مظهراً مناسباً بين الناس من غير غبار، وأما أسفله الذي يباشر الأرض، يباشر القاذورات فإنه لو مسح لانتشرت النجاسة، وليس بغسل يزيلها، ينتشر القذر الذي فيها، وأما النجاسة لا بد من إزالتها، لكن القذر الذي وطء به وباشر به الأرض لا يمسح بالماء؛ لأنه ينتشر ويزيد، أما بالنسبة لأعلاه فإنه يصيبه من الغبار ما يصيبه فيزيله بالمسح، ولذا قوله -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي" يعني بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل، هذا الرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل لا عبرة به، ولا دخل له في الدين، والدين دين نص واتباع، ليس بدين آراء واجتهادات مجردة، واحتمالات عقلية مجردة، ابن حجر وغيره نصوا على أن الاحتمالات العقلية التي لا تؤيد بالدليل لا قيمة لها، نعم إذا خلت المسألة من الدليل ينظر فيها بالأقيسة والاجتهادات، وهل معنى هذا أن الدين يلغي العقل؟ لا، الدين لا يلغي العقل، بل لا بد أن يكون العقل تابعاً للنص، والنص يحكم على العقل ولا عكس، ولا شك أن العقل السليم الصريح هو موافق موافقة تامة للنقل الصحيح، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا الباب، موافقة العقل للنقل، موافقة صريح. . . . . . . . . فلا تعارض بين عقل صريح باقٍ على فطرته مع نقل صحيح، نعم قد يوجد التعارض في الظاهر وجوداً نسبياً