وهذه المسألة فرع عن مسألة تقدمت، ذكرناها في أول كتاب الطهارة، وهي أن العلماء عنايتهم بالطهارة أولى وأقوى من عنايتهم بالوقت، ذكرنا هذا، ولذلك يقدمون الطهارة على أوقات الصلاة، كلاهما شرط، دخول الوقت شرط، والطهارة شرط، والإمام مالك قدم وقوت الصلاة على الطهارة، لكن هل هذه المسألة بعينها تتفرع عن تلك؟ أو نقول: هذا اتقى الله ما استطاع، ويصلي في أول الوقت أو في أثنائه أو في آخره؟ وأما تأخير الصلاة عن وقتها من أجل الطهارة مع عدم الماء فلا يجوز بحال، وهذه تختلف عن المسألة السابقة التي افترضناها في شخص انتبه قبل طلوع الشمس بعشر دقائق مثلاً أو ربع ساعة، والماء عنده، الماء موجود، لكنه إن اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت؛ لأن تلك المسألة تختلف عما عندنا هنا، هذا فاقد للماء، والذي انتبه قبيل طلوع الشمس واجد للماء، الماء عنده، ولا يكلفه شيء، ولكنه إن اشتغل بالطهارة الكاملة بالغسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت، على قول الجمهور يغتسل ولو خرج الوقت، يغتسل ولو خرج الوقت؛ لأنه واجد للماء، وعلى قول من يقدم الوقت على الطهارة يقول: يتيمم.

"والاختيار تأخير التيمم إلى آخر الوقت" ليؤدي الصلاة بطهارةٍ كاملة، وهذا أولى وأهم من الفضل المرتب على أداء الصلاة في أول وقتها، فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه لأنه يصدق في حقه أنه عادم للماء، فهو مخاطب بقول الله -جل وعلا-: {فَتَيَمَّمُواْ} [(6) سورة المائدة] وقد أدى ما عليه، وخرج من عهدة الواجب بما أمر به، فتيمم في أول الوقت وصلى فإنه حينئذٍ يجزئه ولو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة، وقبل خروج الوقت.

لكن إن وجد الماء وهو في أثناء صلاته يقول: "فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه، وإن أصاب الماء في الوقت" لما سلم من صلاته وجد الماء صلاته صحيحة؛ لأنه أديت على وجهٍ شرعي، ولا يلزمه إعادتها، وإن أصاب الماء يعني وجد الماء في الوقت؛ لأنه اتقى الله ما استطاع فخرج من عهدة الواجب، أما إذا أصاب الماء وهو في الصلاة فهل تبطل صلاته ببطلان طهارته؛ لأن التيمم لا يصح مع وجود الماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015