"ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، ثم يوضئه وضوؤه للصلاة" لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) ولأن غسل الحي كذلك يبدأ بالوضوء يوضأ ثم يغتسل ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) فدل على أن الميت يوضأ، لكن بين الجملتين شيء من التنافر ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) الجملتان متفقتان وإلا بينهما شيء من الاختلاف؟ ((ابدأن بميامنها)) مقتضى هذا الأمر أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى صح وإلا لا؟ ومقتضى الجملة الثانية ((ومواضع الوضوء)) يعني وابدأن بمواضع الوضوء أن تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى ((ابدأن بميامنها)) والعطف على نية تكرار العامل كأنه قال: وابدأن بمواضع الضوء منها، مقتضى الجملة الأولى أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى؛ لأنها من الميامن، ومقتضى الجملة الثانية أن يبدأ باليد اليسرى قبل الرجل اليمنى؛ لأن اليد اليمنى من مواضع الوضوء المقدمة على الرجل اليمنى هذا إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ طيب كيف نحل هذا الإشكال؟
يقول: "ثم يوضئه وضوؤه للصلاة" لأن الترتيب كما هو المقتضى أن التخلية قبل التحلية، والحي يبدأ بإزالة النجاسة قبل الوضوء، وهذا على القول المعتمد فيما تقدم تقريره من أنه لا يصح قبل الاستنجاء، والاستجمار وضوء ولا تيمم، فلا بد أن ينقى ما به من نجاسة، التخلية قبل التحلية، لو عندك جدار تريد أن تصبغه بلون جديد، وفيه آثار من ألوان أخرى، وأوساخ في الجدار لو قال قائل: أصبغ ثم أزل الأوساخ مقبول وإلا غير مقبول؟ لا، يقال: أولاً أزل هذه الأوساخ ثم اصبغ باللون الذي تريده؛ لأنك لو صبغت أحياناً يكون الصبغ الجديد شفاف، فيظهر لونها، وقد يكون لها جرم يحدث عنه نتوءات بعد الصبغ، فعليك أن تزيل هذه الأوساخ والأقذار، ثم تصبغ بما شئت، وهذا تقريراً لقولهم: التخلية قبل التحلية، فأنت تغسل وتنقي ما به من نجاسة كما يفعل الحي في الاستنجاء والاستجمار، ثم يتوضأ، ثم يغتسل.