قد يقول قائل: لماذا لا نعتمد الكتاب الأخير الذي فيه هذه الكتب كلها؟ أقول: هذا لا شك أن فيه إنكار لجميل وصنيع المتقدم، وهو الأصل في الباب، والمتأخر عالة على المتقدم، فكوننا ننسف كتب المتقدمين، ونعنى بكتب المتأخرين لأن فيها زوائد هذا لا شك أنه فيه إنكار لجميل المتقدمين وصنيعهم، مع أن الله -جل وعلا-
هو الذي يكتب القبول للكتب ولمؤلفيها، فتجد كتاب ما تجد فيه ميزة تميزه إذا فحصت الكتاب ما وجدت ما يميزه بين الكتب، وتجد القبول بين الخاص والعام لهذا الكتاب وغيره مما هو أولى منه، وأقدم منه شبه مهجور، الله -جل وعلا- هو الذي يضع القبول.
فلذلك صار كتاباً جامعاً لمسائل المذهب، وأما أبو يعلى فإنه لا يذكر شيئاً زائداً على ما في المتن، ولكنه يحقق مسائله، ويذكر أدلتها، ومذاهب المخالفين لها، فإذا طبع المغني مع شرح القاضي قرب الناظر فيهما من أن يحيط بالمذهب دلائل وفروعاً، وحصلت له معرفة ببقية المذاهب، وتلك غاية قصوى يحتاجها كل محقق، وقد نظم الخرقي الفقيه الأديب اللغوي الزاهد الشاعر المفلق يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام الأنصاري الصرصري الزريراني الضرير صاحب الديوان المشهور في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة شهيداً قتله التتار، يعني فيما حصل في بغداد سنة ست وخمسين وستمائة من اجتياحها من قبل التتار، وقتل ما يقرب من ألفي ألف نفس مليونين في أيام معدودة، وهي من المصائب والكوارث التي تذكر في تاريخ الإسلام.
على كل حال الصرصري ناظم ونظمه قوي، لكن مدائحه بعضها لا يسلم من غلو وإطراء للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
وقد نظم الخرقي نظماً، صدره بخطبة نثراً، قال فيها: "جعلت أكثر تعويلي في نظمي هذا على مختصر الخرقي فيما نقلته إذ كان في نفسي أوثق من تابعته" وسمى نظمه: الدرة اليتيمة والمحجة المستقيمة، ثم ذكر أنه كان قد عزم على نظم ربع العبادات، ثم شرح الله صدره لإكمال الكتاب ففعل، ونظمه من بحر الطويل، وحرف الروي الدال، فقال في أوائل النظم:
يا طالباً للعلم والعمل استمع ... ما قلت مخصوصاً بمذهب أحمد