ذكرنا مراراً في التفريق بين مذهب السلف الذين يمرون آيات الصفات كما جاءت، ولا يتعرضون لتأويلها، وبين التفويض الذي زعم بعض من كتب في هذه الأيام أنه هو مذهب السلف، ذكرنا أن هناك فرقاً كبيراً بين كلمة لها معنى معروف، متداول بين الناس، وإذا رجع إلى المعاجم من كتب الغريب عُرف معناها في المشاهد، لكن الغائب لا يمكن قياسه على المشاهد، وبين كلمات لا معاني لها، وإن كانت حروفها عربية، ففرق بين أن يقال لك في المغرب شخص يقال له: زيد، بارع في علم العربية مثلاً، ينقدح في ذهنك أن هذا الرجل الذي لم تره، ولم يقول لك أحد: إنه مثل فلان يشبه به، يعني ينقدح في ذهنك أن هذا اللفظ علم على شخص مفهوم مأخوذ من الزيادة، وعلم على شخص من صفته أنه خُلق على أحسن تقويم كغيره من بني آدم، وأن له عينين، ويدين، ورجلين، ورأس، هذا الذي ينصرف ذهنك إليه، مجرد ما تسمع أنه رجل، وأنه مسمى بهذا الاسم، تعرف الاسم وحقيقة الاسم وانطباقه على هذا الشخص، ولو قيل لك: إنه مثل فلان، مثل زيد الذي رأيناه بالأمس، أو جارنا أو كذا، تقرب لك الصورة، لكن الرب -جل وعلا- ذكر له أسماء وصفات مفهومة المعاني، لكن لم نره، ولم يرد به خبر، يعني الكيفية لم يرد بها خبر، ولم يحل إلى شيء محسوس، ما قيل: إنه مثل كذا، التمثيل ممنوع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] فنعرف أن هذه الصفات لها معاني، لكن لا نعرف حقيقتها كيفيتها، يعني لو قيل لك: ما الفرق بين زيد وديز؟ الكلمتان مجردتان زيد وديز بينهم فرق وإلا ما بينهم فرق؟ من حيث وضوح المعنى في ذهنك، زيد علم على شخص من الزيادة مأخوذ في الأصل، والشخص هذا من صفاته كذا وكذا، لكن ديز ليس لها معنى، فهذا الذي يقول بالتفويض يقول: الأسماء والصفات مثل ديز، ما نعرف شيء ألبتة عنها، والذي يقول: إننا نعرف معانيها، لكن لا نعرف كيفياتها، نقول: مثل زيد شخص لم نره ولم يقس على أحد مع الفارق الكبير أن زيد له مثيل في البشر، لكن لا نعرفه، والله -جل وعلا- ليس كمثله شيء.
أما معرفة السؤال الثاني يعرفون معاني الصفات كلها؟ نعم يعرفونها، أم سلمة قالت: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، مثل ما قال مالك -رضي الله عنه وأرضاه-.