أقول: جاء في الحديث الصحيح من حديث حذيفة وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الشرب والأكل أيضاً في آنية الذهب والفضة، وقال: ((فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخر)) يعني الكفار، وجاء في الحديث الصحيح أيضاً: ((الذي يشرب في آنية الذهب كأنما يجرجر في بطنه ناراً)) أو ((نار جهنم)) -نسأل الله السلامة والعافية-، فالنص في الأكل والشرب لا إشكال فيه، ولذا عامة أهل العلم على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، نازع في هذا بعض أهل الظاهر، لكن لا عبرة بقولهم مع صحة الأحاديث وصراحتها، جمهور أهل العلم يلحقون بالأكل والشرب سائر الاستعمالات والاتخاذ ولو لم يستعمل، قالوا: إذا نهي عن الأكل والشرب فالنهي عن سائر الاستعمالات التي هي أقل حاجة من الأكل والشرب من باب أولى، وإذا نهي عنه مع الاستعمال فلئن ينهى عنها مع عدمه عن اتخاذها مع عدم الاستعمال من باب أولى؛ لأن الحاجة داعية للاستعمال، ولا تدعو حاجة إلى مجرد الاتخاذ، فالجمهور على منع الأكل والشرب، وهذا فيه النص، وإلحاق سائر الاستعمالات، وقياس الأولى بالنسبة لمجرد الاتخاذ.
فعلى قول الجمهور الوضوء في آنية الذهب والفضة يقول المؤلف: يكره، والكراهة عند المتقدمين أكثر استعمالها في الحرام، وجاء القرآن بذلك {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] مع أن من ذلك الذي تقدم والإشارة إليه أمور هي من عظائم الأمور، فالتعبير عنها بالكراهة دل على أن الكراهة تستعمل في غير معناها الاصطلاحي الذي تعارف عليه المتأخرون من الفقهاء، فإذا قال المؤلف: يكره، يعني يحرم، وقال الإمام أحمد: أكره المتعة، وهو يحرمها تحريماً شديداً، المقصود أنهم يستعملون الكراهية في المحرم، والأئمة كلهم على هذا.