الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المسافر
قال -رحمه الله-: "وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي" وعرفنا أنها تقدر بالكيلوات بثمانين كيلاً "فله أن يقصر إذا جاوز بيوت قريته" وتقدم الكلام في المسافة هذه، وقرأنا ما جاء في الصحيح عن الصحابة، وما أردف بالأحاديث المرفوعة، وعرفنا من خلال ما ذكرنه في الدرس الماضي أن تقدير المسافة لا يدل عليه دليل يعتمد عليه في مثل هذا الحكم، لكن الإشكال يكمن في عدم اتحاد الأعراف، وعدم معرفة كثير من المسلمين في التحديد إذا رُد إلى العرف، مما يخشى بسببه ضياع هذه الفريضة العظيمة، فالتحديد الذي قدره أهل العلم، وجماهير أهل العلم على التقدير بالمسافة، يختلفون، منهم من يقول: يوم، ومنهم من يقول: يومين، ومنهم من يقول: ثلاثة، وتتفاوت بين أربعين إلى مائة وعشرين من الأكيال، هذا قول جماهير أهل العلم، لكن ليس عندهم ما يعتمد عليه في التقدير والتحديد، كما قال ابن قدامه وغيره، ولذا يرى شيخ الإسلام وجمع من أهل التحقيق أن مرد ذلك إلى العرف، فاللغة لا تساعد على التحديد، ولم يرد في الشرع ما يدل عليه، إلا أقوال صحابة على ما تقدم ذكره، وأما الأحاديث المرفوعة وهي أحاديث سفر المرأة بلا محرم هذه الأحاديث ما سيقت لبيان هذه المسألة، فدلالتها على ما يقرره أهل العلم ويستدلون به عليها دلالة فرعية، وعلى هذا فالأقوى من حيث الدليل عدم التحديد، وأن المراد أنه إذا وجد الوصف المؤثر الذي جاءت به النصوص وهو السفر أنه يتم الترخص، ويباح الترخص، وإذا عدم انتفى، فالنصوص علقت الترخص بوصف، فصار هذا الوصف مؤثراً في ثبوت الحكم وانتفائه، ولم يرد ولا يوجد في لغة العرب ما يحدد مسافة معينة لمسمى هذا الوصف الذي هو السفر، والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة لا تنهض على التحديد، نعم في أقوال الصحابة ما يدل على ذلك، فعن ابن عباس وابن عمر، وسبق أن قرأنا ما في الصحيح من ذلك، وقرأنا توضيح ابن حجر لهذه النصوص.