فهي مستثناة، والذي يقول بالعموم ويأخذ بعموم ((أيما إهاب)) يقول: كونه يطهر لا يعني أنه يجوز استعماله، فالذهب والحرير طاهران، لكن لا يجوز استعمالهما بالنسبة للذكور، فالإهاب يطهر لكن لا يجوز استعماله، من يرى أن الدبغ لا ينفع إلا ما كان طاهراً في الحياة يستدل بمثل حديث: ((دباغ الأديم ذكاته)) فشبه الدباغ بالذكاة، والذكاة لا تفيد إلا في المأكول، إذاً الدباغ لا يفيد إلا في المأكول، هذه مجمل الأدلة التي استدلوا بها، وهذه الأقوال إجمالاً، والذي يظهر -والله أعلم- رجحان القول بالتعميم، وأنه أيما إهاب دبغ فقد طهر، أما حديث عبد الله بن عكيم فهو مضعف عند أهل العلم، وفيه اضطراب كبير، وفيه جهالة لمن نقل الكتاب، وهل هو عن أشياخ من جهينة، أو بدون واسطة سمع الكتاب بدون واسطة، أو عن بواسطة أشياخ من جهينة.
قد يقول قائل: إن هذا غير مؤثر سواءً كان سمعه بغير واسطة، أو بواسطة هؤلاء الأشياخ وإن لم يسموا، الجهالة في مثل هذه الحالة تضر وإلا ما تضر؟ هم ليسوا صحابة، تضر جهالتهم أو لا تضر؟ نعم، قالوا في مثل هذا الأكثر على أن جهالة مثل هؤلاء تضر، لكن يبقى أن من أهل العلم من يقول: إنهم ماداموا في الصدر الأول أقل ما يقال فيهم: إنهم من كبار التابعين، وهؤلاء هم الذين أشار إليهم ابن الصلاح بقوله: ونفر قد تقادم العهد بهم، فهؤلاء يتسامح في جهالتهم، الأمر الثاني: أنهم جمع، أشياخ، جمع، يعني جهالة كل واحد منهم على حدة يجبرها رواية الثاني وإن كان مجهولاً، فقال بعضهم: إن مثل هذا لا يؤثر.
على كل حال الحديث متكلم فيه، والكلام فيه قوي وتضعيفه له وجه، ولو قدر ثبوته فالإهاب كما قال النضر بن شميل: هو الجلد ما لم يدبغ، هو الجلد قبل الدبغ، وإذا كان الجلد قبل الدبغ فإنه لا يجوز الانتفاع به كالعصب، هذا على سبيل التنزل على سبيل افتراض أنه ثابت، ومن يضعفه لا يحتاج إلى مثل هذا الكلام.
ذكاة الأديم أو دباغ الأديم ذكاته قولهم أن هذا الحديث يدل على أن الدباغ لا ينفع إلا ما تنفع فيه الذكاة، كلام وجيه وإلا ما هو بوجيه؟ الآن عندنا تشبيه الدباغ بالذكاة، الذكاة تنفع، والدباغ ينفع وإلا ما ينفع؟ إذاًَ الدباغ ينفع.