ذكر المصنف أموراً أخرى تمس الآدمي، فقال: إذا قلنا بأن شعر الآدمي وجلده وعظمه وعصبه على الطهارة فلا ينسحب الحكم على شيء آخر، فإن بول الآدمي وغائطه ودمه نجس، أما المني فعند الأحناف أنه نجس، وعند الشافعية طاهر، والدليل على أن بول الآدمي نجس: حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فقاموا ليضربوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، لا تقطعوا عليه بوله، أهريقوا على بوله دلواً من ماء)، ووجه الدلالة: أنه لما أمر بصب الماء دل على نجاسة البول.
الدليل الثاني: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نضح من بول الغلام) والنضح دليل على النجاسة، لكنها نجاسة مخففة، وأما بول الجارية فأمر بغسله؛ لأنها نجاسة مغلظة.
وهناك دليل ثالث: وهو حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله) وهناك رواية أخرى في سنن أبي داود بسند صحيح قال: (لم يستتر من بوله)، فالعذاب إما لأنه لم يستر عورته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (استر عورتك قال: أرأيت أحدنا يكون وحده، قال: الله أحق أن تستحي منه) فلا يمنع ذلك أن يعذب من أجل أنه لم يستنزه من بوله أو لم يستتر، ولا يمنع أن يكون العقاب مرتباً على العلتين.
والدليل على ذلك: القياس الجلي أو قياس الأولى، فإذا ثبتت بالدليل نجاسة البول فمن باب أولى نجاسة الغائط؛ لأنه أغلظ نجاسة.
الدليل الثاني: الحديث الذي فيه: (نهى أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار إلا بثلاث).
والأوضح من ذلك: حديث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي له بثلاثة أحجار، فأتاه بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هي رجس)، والخلاصة: أن بول الآدمي وغائطه نجس.
يبقى لنا الكلام على الدم وعلى المني ونرجئ الكلام على الدم والمني؛ لأن فيهما شبهاً قوية جداً، وسأفرد لهما باباً حتى ننهي المسألة نهاية تامة كما هو عملنا في كل مسألة، وذلك بأن نأتي بقول الموافق والمخالف والرد على المنازع وبيان هذه المسائل، لا سيما وأن المتنازعين ليس عندهم دليل يترنمون به وتظهر كلمتهم فوق السطح إلا الإجماع، وسنبين لهم أنه لا إجماع في المسألة.