والرد على أدلة القول القديم ما يلي: الدليل الأول: قولهم: قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3]، قلنا: هذه الآية عامة في تحريم الميتة في كل شيء، ولما حلل النبي صلى الله عليه وسلم جلدها بعد الدباغ فقد خص بذلك، والقاعدة عند العلماء: لا يتعارض عام مع خاص، بل يقدم الخاص على العام لاسيما وأن الخاص قطعي في الدلالة والدليل العام ظني الدلالة، وأيضاً: إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
إذاً: الآية عامة ودليلنا خاص ولا يتعارض عام مع خاص، بل يقدم الخاص على العام.
الأمر الثاني: لما قالوا لنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم بيع الخمر والأصنام وحرم بيع الميتة، قلنا لهم: نوافقكم على العموم، وهو أنه حرم بيع الميتة، لكن العلة النجاسة، إذ أن كل ميتة نجسة، والجلد إن طهر بالدباغ فقد انتفت العلة، فهذا الحديث عام في كل الميتة، في الجلد والعصب والشعر والعظم، ثم خص الجلد المدبوغ لأنه صار من النجاسة إلى الطهارة بالدباغ فيصح بيعه.
إذاً: الصحيح الراجح في ذلك: الانتفاع مطلقاً، وأصول المذهب تقول: الحياة لازمة للطهارة، والموت لازم للنجاسة، والدباغ لجلد الميتة التي هي نجسة يجعلها طاهرة، فيؤول إلى الانتفاع به مطلقاً، فينتفع به صلاة وفرشاً، بيعاً وشراءً، سواء في ذلك المأكول وغير المأكول على المذهب إلا ما استثني.