أما الآثار: فحديث السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه مر عليهم وماتت شاة لـ ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، فقال: (هلا انتفعتم بها؟ قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة) يعني الميتة لا ينتفع بها، فقال: (إنما يحرم من الميتة أكلها -ثم قال- إيما إهاب دبغ فقد طهر، ومعنى الإهاب: الجلد قبل الدباغ، فقال: (أيما أهاب) يعني: أيما جلد قبل الدباغ دبغ فقد تحول من النجاسة إلى الطهارة، قال: إيما إهاب دبغ فقد طهر، وهذا دليله على عموم الطهارة في جلود كل مأكول وغير مأكول؛ لأن الأسماء المبهمة تدل على العموم، سواء كان مأكولاً أم غير مأكول، ويستثنى من ذلك: الكلب والخنزير، فلا تطهر جلودهما لأدلة ستأتي، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وجلد الضبع، وجلد الذئب، وجلد الأسد، وجلد بهيمة الأنعام، وجلد الضأن، وجلد الماعز إذا دبغ وهو ميتة فهو طاهر، وأقرب مثال يضرب في ذلك: الحمار الوحشي والحمار الأهلي، فالحمال الأهلي لا يؤكل بالإجماع، والحمار الوحشي يؤكل بالإجماع، إذاً: لو كان الحمار الوحشي ميتة والحمار الأهلي ميتة، فنحن نقول: هل يمكن بالدباغ أن يطهر الجلد ويمكن استخدامه أم لا؟ فعند الشافعية قالوا: بالعموم، قلنا لم؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما)، وأيما هذه للعموم، يعني: المأكول وغير المأكول، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طهور جلد الميتة دباغه)، أو قال: (طهور الميتة دباغه)، فجعل الدباغ هو المطهر، فهذا من الأثر.
ومن النظر أن نقول: إن كانت الحياة دالة على طهارته فما من أحد وضع يده مثلاً على الحمار الوحشي، أو وضع يده على البعير وقيل له: اغسل يدك حتى تصح صلاتك، لأنها ليست نجسة بل هي طاهرة، قالوا: فكما أن الحياة لازمة للطهارة وأن الموت لازم للنجاسة فإن الدباغ يساوي الحياة في هذه المسألة، فألحقوا الدباغ بالحياة؛ لأنه فعل ما تفعل الحياة، فالحياة تدل على طهارة البعير، والدباغ بعد الموت إن كان ميتاً يدل على طهارة الجلد، قالوا: وهذا إلحاق الدباغ بالميتة، وهذا من النظر.