والذي يخصنا من هذه الأعيان التي تكلمنا عنها هو الأعيان المتنجسة نجاسة طارئة يمكن تطهيرها، والذي يخصنا منها هو الكلام على جسم الميتة، فالإنسان في الصحراء له سقاء وله أوعية يشرب فيها العسل، ويشرب فيها الماء، ويشرب فيها اللبن، ويشرب ما يشرب، وهذه الأوعية تعتبر في محل الأواني، وهذه يمكن أن تتخذ من الحديد، لكن العرب كانوا يستخدمون الجلد فيجعلون منه قربة يشربون بها، فهذه القربة هل يمكن للإنسان أن يستخدمها من كل شيء من المأكول أو غير المأكول؟ من الميتة أو من الحي أو من غير ذلك؟ فهذا موضوع فقهنا اليوم: وهو الكلام على هذه الجلود التي تستخدم كأوانٍ، كقرب، أو أشنان للشرب، وكيف يمكن أن ننتفع بجلود الميتة؟ أقول: في المذهب الشافعي يقعدون لنا قاعدة مهمة جداً وهي: الحياة لازمها الطهارة في المأكول وفي غير المأكول، ويقصدون بالمأكول: بهيمة الأنعام، كالماعز والضأن والبعير والبقر، وغير المأكول: كالأسد والذئب والنمر.
وهل الضبع مأكول أم غير مأكول؟ من العلماء من جعله غير مأكول بدليل: أنه ذو ناب، والنبي نهى عن كل ذي ناب.
ومنهم من جعله مأكولاً بدليل: أنه لما قتل في الحج اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم صيداً وجعل فيه الكبش، فلما اعتبره صيداً علمنا أنه مأكول، قال الشافعي: ما زال الناس يأكلونه بين الصفا والمروة، ولا ينكر أحد عليهم، فهو كإجماع السكوت، وقالوا: المقصود بالناب في الحديث أي: الذي يعدو بنابه على الإنسان.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم، وذكر منها الكلب)، والمقصود: الكلب العقور الذي يعدو بنابه على الناس.