أولاً: الحجارة المستخدمة لابد أن تزيل العين وإن أبقت الأثر.
ثانياً: هذه الحجارة يشترط فيها: أن تكون ثلاثة أحجار، فلو أنقى المحل بحجر واحد ثم توضأ وصلى فصلاته باطلة، ولو استخدم حجراً ثم استخدم حجراً ثانياً وتوضأ وصلى فصلاته باطلة؛ لأن النجاسة لم تزل موجودة، ولابد أن يستخدم الحجر الثالث.
فإذاً يشترط الاستنجاء بثلاثة أحجار، والدلالة على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه كما في السنن قال: (ونهانا أن نستطيب بأقل من ثلاثة أحجار)، وأيضاً في حديث سلمان رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار).
والنهي أصله التحريم، يعني: حرام أن يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، فلو استنجى بحجر أو حجرين لقلنا له: وقعت في الحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تستنجي إلا بثلاثة أحجار، وفي المقابل فإنه لا يجزئه أن يستنجي إلا بثلاثة أحجار، وهذا من القول، ومن الفعل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ الحجرين ما استخدمهما، بل أمر ابن مسعود كما في السنن فقال له: (ائتني بحجر ثالث).
وهذا دلالة واضحة جداً على: أن العدد يشترط في مسألة الاستنجاء ولا يصح الاستنجاء إلا بثلاثة أحجار، وفي المذهب نظروا نظراً دقيقاً وقالوا: هل العدد متعبد فيه، أم له حكمة؟ وفي الصحيح الراجح: أن له حكمة؛ لأن الثلاثة يغلب على الظن أو يتأكد منها إزالة العين.
قالوا: إذاً العدد هو المطلوب للتأكد من إزالة العين، فلو كان حجراً واحداً له ثلاثة أطراف صح استخدامه بثلاث مسحات، فقالوا: العدد المفترض هنا المسحات وليست الأحجار.
فلو أتى بحجر كبير وهذا الحجر له أطراف ثلاثة فمسح الأولى بالطرف الأول ومسح الثانية بالطرف الثاني ومسح الثالثة بالطرف الثالث وأنقى المحل أجزأه؛ لأن الشرط في ذلك ليس بثلاثة أحجار ولكن بثلاث مسحات، هذا أول ما يبحث في مسألة الحجارة.
الأمر الثاني: الوتر في الأحجار، وهذا ليس بشرط لكنه مستحب، ولو أن رجلاً استخدم حجراً واحداً ثم استخدم الثاني ثم استخدم الثالث ولم ينق المحل ثم قام فتوضأ وصلى فصلاته باطلة.
إذ لابد من إنقاء المحل، فإن أنق المحل وتوضأ وصلى فصلاته صحيحة، لكن نقول له: الأولى أن تستخدم الحجر الخامس، فمن السنة: الإيتار، واستدل على ذلك بعموم وخصوص، أما العموم: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الله وتر يحب الوتر).
وفي سنن أبي داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)، وهذا الحديث ظاهر جداً في سنية واستحباب الإيتار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فعل)، يعني: من استخدم ثلاثة أحجار: (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج).
ثالثاً: مسألة هل يتعدى الحكم لغيره أم لا؟ يعني هل الأمر مشترط بالأحجار، أم يمكن أن تقوم مقامه خرقة مثلاً أو أخشاب أو مناديل أو زجاج أو غير ذلك؟ فالعلماء نظروا فوجدوا أن الغالب في الاستخدام هي الأحجار، قالوا: ننظر في مواصفات الأحجار فإن وجدنا هذه المواصفات تتعدى لغير الأحجار استخدمناها؛ لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، بل يفرق بين المختلفين، فإذا قام مقام الحجر شيء يزيل العين أو ينقي المحل كما يفعل الحجر فإنه ينزل منزلة الحجر في الحكم، فنظر العلماء ودققوا النظر في الأحجار فوجدوا في الأحجار بعض الصفات، منها أولاً: أنها مزيلة للعين.
الثاني: الثالث: أنها طاهرة.
الرابع: أنها غير محترمة.
الخامس: أنها لسيت بعظم.
السادس: أنها غير متصلة بحيوان.
فقولنا في صفة الحجر: مزيل للعين، يخرج من ذلك الذي لا يزيل العين: كالزجاج أو الحديد أو أي شيء أملس، فالصحيح أنه لا يستخدم الزجاج ولا الحديد لأنه ليس بصالح، وإن كان الخشب صالحاً نزل منزلة الحجر، وكثيراً ما تجد هذه في الصحراء أو في مكان وليس عندك ماء ولا ترى حجارة فالمناديل تقوم مقام الحجارة، وهذا من تيسير الشريعة الغراء؛ لأنها صالحة تزيل العين، فإذا أزالت العين قامت مقام الحجر.
وقولنا: (جامد) احتراز من المائعات، فالجامد ضد المائع، فالمائع لا يستطيع أن يزيل النجاسات كالزيت؛ لأنه لا يزيل العين لكن يمكن أن يرد علينا إيراد قوي جداً وهو: أن الماء من المائعات ونحن نستخدمه، ف
صلى الله عليه وسلم أن ما أمرنا به نستخدمه، فنحن ندور مع الشرع حيث دار، بل الماء له قوة في دفع النجاسات ليست لغيره في حال من الأحوال، بل من قوة الماء في دفع النجاسات أنه يدفع عن نفسه النجاسة بالتكاثر.
ونحن قلنا: الماء القليل إن كان به نجاسة أو وقعت فيه نجاسة نجس، لكن بالتكاثر إذا وصل إلى قلتين قلنا: إذا لم يتغير طعم ولا لون ولا رائحة، وصل إلى الطهارة ودفع عن نفسه النجاسة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث).
وقولنا: (أن يكون طاهراً) فلا تستخدم المجلات، والدلالة على ذلك من الأثر والنظر، أما من الأثر فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر ابن مسعود وقال: (ائتني بثلاثة أحجار فأتاه بحجر وآتاه بحجر آخر وآتاه بروثة فألقاها وقال: إنها رجس).
فالعلة: في أنه لم يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصفها بأنها رجس، وأيضاً: ففي بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن يستخدم ذلك في إزالة النجاسة، فالصحيح في ذلك أن نقول: يشترط أن يكون طاهراً، فلا يمكن للمرء أن يستخدم الخمر في إزالة النجاسة.
ولو أن رجلاً أراد أن يستنجي وبحث عن الماء فما وجد بعد أن قضى بوله ووجد خمراً فقال: أستخدمها فيما هو أنفع فأزيل النجاسة وأتوضأ بها.
فنقول: لا يصح هذا من وجهين: لأنه من المائعات والمائعات لا تستخدم في طهارة المحل، والثاني: لأنه عند الجمهور من النجاسة، إذاً لابد من الطهارة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها رجس).
وقولنا: (غير محترم) يحترز به من المحترم، فالمحترم لا يجوز أن يستخدمه الإنسان، والمحترم: كأن يأتي بخرقة مكتوب فيها باللغة العربية، أو يكون مكتوباً فيها حديث أو آية.
فلا يصح له أن يأخذ منديلاً مكتوب فيه باللغة العربية؛ لأن اللغة العربية محترمة، والعلماء في المذهب فسروا تفسيرات وتفريعات، منها: أنهم قالوا: إن كان كتب في الورقة فلسفة فليفعل ما شاء فليس فيها شيء؛ لأن الفلسفة غير محترمة، وقالوا: حتى إن كانت فلسفة أو منطقاً أو شيئاً من هذه الأمور فهذه غير محترمة فلا تدخل معه.
وبحثوا بحثاً في مسألة التوراة والإنجيل وليس لنا أن ندخل في هذا الباب، والصحيح أن نقول: إنها غير محترمة حتى لو كتب فيها باللغة العربية، بشرط: ألا يكون اسم الله فيها ولا اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا آية من الآيات فيمكن أن تستخدم هذه المناديل وإن كتب فيها؛ لأنها غير محترمة وليست هذه من اللغة العربية.
الخامس: أن يكون غير مطعوم يعني: غير مأكول، وإذا قلنا غير مطعوم فلا يجوز له أن يستخدم أي طعام خبزاً أو غير خبز أعوذ بالله من ذلك، فمن فعل ذلك فقد أهان نعمة الله جل في علاه، ولهذا أدلة كثيرة ومنها: قول الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [الحج:30].
وأيضاً ورد في السنن عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال: لأنه طعام إخوانكم من الجن فمن باب أولى إن كان طعام المكلف فلا يستخدم مثل هذا.
الشرط السادس: أن يكون غير متصل بحيوان، فمثلاً رجل قضى حاجته وأراد أن يستنجي فأخذ بذيل الحمار فاستنجى، بأن كان في محل فيه حمير أو بعير فأراد أن يستنجي فاستنجى بذيل الحمار نقول: قد أثمت بذلك ولا يصح لك؛ لأن الحجارة منفصلة، وعليه فلو توضأ فوضوءه باطل.
فإن قال قائل: كيف يشترط الانفصال ويد الإنسان لازمة غير منفصلة عنه؟ قلنا له: أما بالنسبة لليد فلنا قاعدتان تقرر لنا استخدام اليد؛ لأنه لابد لنا من ذلك وما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، وأيضاً مباشرة اليد للنجاسات ليست مخصوصة بذاتها بل هي تابعة والتابع تابع، أو قل: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
وخلاصة القول أنه لا يقوم مقام الحجارة إلا من اتصف بهذه المواصفات: أن يكون جامداً، خالعاً، مزيلاً للنجاسة، طاهراً غير نجس، ولا يكون مائعاً وأن يكون الطاهر غير مطعوم وغير عظم وغير متصل بحيوان.