من سنن الوضوء: المضمضة والاستنشاق، والدليل على السنية قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ولم يقل: تمضمضوا واستنشقوا، ويوجد حديث خاص فاصل في النزاع وهو في مقام التبيين، والقاعدة عند العلماء: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (توضأ كما أمرك الله فاغسل وجهك)، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وكان الرجل لا يعرف كيف يصلي ولا كيف يتوضأ، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلي وعلمه كيف يتوضأ فقال له: (توضأ كما أمرك الله فاغسل وجهك ويديك إلى المرفقين، وامسح برأسك واغسل رجليك)، ولم يذكر المضمضة ولا الاستنشاق، ففيه دلالة واضحة جداً على أنهما سنة، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مضمض واستنشق)، فالراجح أنه صحيح، لكن الأمر هنا للاستحباب جمعاً بين الأدلة، وقول المخالف: الأنف والفم من الوجه فلا بد من المضمضة والاستنشاق فالجواب عليه: والعين من الرأس، ولها ظاهر ولها باطن، ونحن نقول بوجوب غسل ظاهر الأنف لا غسل الباطن، وإلا لكان يجب أن يفتح الإنسان عينيه ويدخل الماء في عينيه؛ لأنها من الوجه ولا بد أن تغسل، لكن نحن متفقون أنه لا يغسل باطنها بل ظاهرها، وكذلك الأنف.
وللمضمضة والاستنشاق صورتان: الصورة الأولى: أن تكون المضمضة منفصلة عن الاستنشاق، فيدخل الماء في فمه، ويكرر هذا ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يغسل الأنف بعد الفم ثلاث مرات، وهذه الكيفية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعفها النووي، لكن الحافظ ابن حجر صححها، ونحن نأخذ بتصحيح الحافظ ابن حجر، فحديث فصل المضمضة عن الاستنشاق صحيح، لكن الأولى والأفضل: أن تجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة ثلاث مرات كما في حديث عثمان وحديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الصورة الثانية، وهي غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فيأخذ غرفة ثم يدخل بعض الماء في فمه ويدخل البعض الآخر في أنفه، ويفعل هذا ثلاث مرات.